[استعمال القول بمعنى الظن]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكتظن اجعل تقول إن ولي مستفهماً به ولم ينفصل بغير ظرف او كظرف او عمل وإن ببعض ذي فصلت يحتمل وأُجري القول كظن مطلقا عند سليم نحو قل ذا مشفقا] يقول رحمه الله: (وكتظن اجعل تقول) أصل هذه المادة (تقول): أنها لا تنصب، وإنما يأتي مقولها جملة، ولهذا تكسر همزة (إنَّ) بعدها، كما قال تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم:٣٠] وتقول: قلت: زيدٌ قائم، ولا تقل: قلت: زيداً قائماً، فما دام المراد بها القول فإنها لا تنصب المفعولين، بل تنصب الجملة على أنها مقول القول، لكن قد تأتي بمعنى الظن، فإذا جاءت بمعنى الظن عملت عمل ظن، كما قال المؤلف: (وكتظن اجعل تقول).
قوله: (كتظن): مفعول ثان مقدم لـ (اجعل).
اجعل: فعل أمر ينصب مفعولين.
تقول: المفعول الأول، والتقدير: اجعل تقول كتظن.
(إن ولي مستفهماً به) إن: شرطية.
ولي: فعل الشرط، وجواب الشرط قيل: إنه لا حاجة للجواب في مثل هذا الترتيب، وقيل: إن الجواب محذوف دل عليه ما قبله، أي: إن ولي مستفهماً به فاجعله كتقول.
قوله: (ولم ينفصل بغير ظرف او كظرف او عمل): أي: لم ينفصل عما بعده بغير ظرف أو كظرف، فإن انفصل بظرف أو ما يشبه الظرف -وهو الجار والمجرور- فإن ذلك لا يؤثر؛ لأنهم يتوسعون في الظرف والجار والمجرور ما لا يتوسعون في غيرهما.
(أو عمل) أي: عمل للمفعول الثاني فإنه لا يضر.
قوله: (وإن ببعض ذي فصلت يحتمل) أي: فيبقى على عمله.
وقوله: (إن ببعض ذي فصلت) الجملة هذه شرطية، وفعل الشرط (فصلت)، وجواب الشرط: (يحتمل).
إذاً: قد تستعمل (تقول) كـ (تظن) ولكن بشروط: أولاً: أن يكون الفعل مضارعاً (تقول).
ثانياً: أن يكون مضارعاً للمخاطب.
ثالثاً: أن يقع بعد استفهام، فإن لم يقع بعد استفهام فإنه لا يعمل عمل (تظن).
رابعاً: أن يكون متصلاً، أي: أن يكون المفعول متصلاً بـ (تقول)، فإن كان منفصلاً نظرنا: فإن كان بعمل أو ظرف أو جار ومجرور لم يبطل العمل، وإن كان بغيرها فإنه يبطل العمل.
مثال ذلك: أتقول زيداً منطلقاً؟ بمعنى: أتظن زيداً منطلقاً؟ ولو أردت القول لكان صواب العبارة: أتقول زيدٌ منطلقٌ، لكنك تريد أن تسأله: هل يظن هذا أو لا؟ أمثلة للتوضيح: لو قيل: أتقول طعامَك زيداً آكلاً؟ فالعبارة صحيحة؛ لأن الفصل بين (تقول) ومفعوليها كان بمعمول للمفعول الثاني، والمؤلف يقول: (أو عمل) فإنه يحتمل ولا يبطل العمل، وعلى هذا فتقول: أتقول طعامَك زيداً آكلاً؟ أي: أتظن زيداً آكلاً طعامك؟ فالعبارة هنا سليمة؛ لأننا فصلنا بالعمل، والعمل ليس أجنبياً من العامل، فلهذا ساغ الفصل به.
ولو قلت: أتقول في المسجد زيداً نائماً؟ فالعبارة صحيحة؛ لأن الفاصل جار ومجرور.
ولو قلت: أتقول عندك عمراً جالساً؟ فالعبارة صحيحة؛ لأن الفاصل ظرف.
ولو قلت: أتقول قدم زيدٌ عمراً قائماً؟ فلا يصح؛ لأن الفاصل أجنبي وليس بظرف ولا جار ومجرور.
قوله: (إن ولي مستفهماً به ولم ينفصل)، نحن قلنا: من الشروط ألا ينفصل عن العامل، وكذلك الفصل بين الاستفهام والفعل: فلو قلت: أطعامَك تقول زيداً آكلاً، فالعبارة صحيحة؛ لأنه فصل بالمعمول.
ولو قلت: أعندك تقول زيداً جالساً؟ فالعبارة صحيحة؛ لأنه فصل بظرف.
ولو قلت: أفي البيت تقول زيداً جالساً؟ فالعبارة صحيحة؛ لأنه فصل بجار ومجرور.
قال رحمه الله: (أجري القول كظن مطلقاً عند سليم نحو قل ذا مشفقا) قوله: (أجري القول كظن مطلقاً) أي: بدون شرط، فلا يشترط أن يتقدمه استفهام، ولا أن يكون بلفظ المضارع للمخاطب، بل بأي لفظ كان، فتقول: قلت زيداً منطلقاً، أي: ظننت، وتقول: قل ذا مشفقاً، أي: ظن ذا مشفقاً، وهذا في لغة سُليم.
فهل نقول هنا: إننا نختار الأيسر الذي هو لغة سليم كما لو اختلف النحويون في مسألة فالقاعدة عندنا في باب النحو: أن نختار الأسهل، فهل هذه مثلها؟ نقول: ليست مثلها؛ لأن هذه لغة ولغة، فلغة سليم مستقلة ولغة البقية مستقلة، فلا يجوز أن نختار هذا على هذا، إلا إذا أردنا أن نختار لغة سليم فهذا لا بأس به، لكن من حيث النظر سنختار لغة الأكثر ونقول: إن القول لا يجرى كظن إلا بالشروط التي ذكرها المؤلف.