[تعدي الفعل اللازم بحرف الجر]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعد لازماً بحرف جر وإن حذف فالنصب للمنجر نقلاً وفي أنَّ وأنْ يطرد مع أمن لبس كعجبت أن يدوا] قوله: (وعد لازماً بحرف جر) أي: أن الفعل اللازم لا ينصب المفعول بنفسه، لكن يعدى بحرف جر مناسب، فإذا وجدنا فعلاً لازماً جاز أن نعديه بحرف الجر، فمثلاً: فرح زيد، (فرح) فعل لازم، إذا أردت أن تعديه تقول: فرح زيد بالنجاح، فعديته بحرف جر، وهذا كثير.
قوله: (فإن حذف فالنصب للمنجر نقلاً) إلخ، أي: إذا حذف حرف الجر من الفعل اللازم فإن المجرور ينصب، لكن هل هو قياسي، بمعنى أنه يجوز لكل واحد أن يحذف حرف الجر مما تعلق بفعل لازم؟ يقول المؤلف (نقلاً) أي: أنه سمع من كلام العرب، ونقل من كلامهم أنهم يحذفون حرف الجر من متعلق الفعل اللازم وينصبونه، ومنه قول الشاعر: تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذاً حرام فقال: تمرون الديار، والأصل: تمرون بالديار، لكنه حذف حرف الجر ونصبه.
ونقول في إعرابه: تمرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل.
الديار: منصوب بنزع الخافض، ولا نقول: إن الديار مفعول به؛ لأن هذا الفعل لازم لا ينصب المفعول به، فيكون الديار هنا منصوبة بنزع الخافض، والأصل: تمرون بالديار، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره.
ولا يصح أن يقال: مررت زيداً، بدل: مررت بزيد، قياساً على ما ورد عن العرب حين قالوا: تمرون الديار؛ وذلك لأن الشعر يحفظ ولا يقاس عليه، فإن قيل: لكن لغتنا العرفية تأبى إلا أن تقيس فيقولون: مررت زيداً، مررت البيت، وما أشبه ذلك.
فنقول اللغة العرفية لا تحكم على اللغة العربية.
قوله: (وعد): الواو: حرف عطف وعد: فعل أمر، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت.
لازماً: مفعول عد.
بحرف: جار ومجرور متعلق بعد، وهو مضاف إلى (جر).
وإن حذف: الواو: حرف عطف، إن: شرطية، حذف: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، وهو فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه تقدير هو.
فالنصب: الفاء: رابطة للجواب، والنصب: مبتدأ.
للمنجر: الجار والمجرور خبر المبتدأ، والجملة الخبرية في محل جزم جواب الشرط.
وقوله: (نقلاً) حال، وصاحب الحال هو الضمير المستتر في متعلق الجار والمجرور، أي: فالنصب كائن للمنجر نقلاً.
(وفي أنَّ وأنْ يطرد) في: حرف جر.
أنَّ: مجرور بفي باعتبار اللفظ.
وأنْ: معطوفة عليها، والجار والمجرور متعلق بـ (يطرد).
(مع أمن لبس) مع: ظرف مكان، وهو هنا مبني على السكون من أجل الروي، وهو مضاف إلى (أمن)، و (أمن) مضاف إلى (لبس).
كعجبت أن يدوا: الكاف: حرف جر، وعجبت أن يدوا: كلها مجرورة بالكاف وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الآخر منع من ظهورها الحكاية.
يقول المؤلف رحمه الله: (وفي أن وأن يطرد) أي: أن حذف حرف الجر في أنَّ وأنْ يطرد، ومعنى قوله: (يطرد): أنه سمع نقلاً وجاز استعمالاً.
(مع أمن لبس) أي: أنه يشترط لجواز حذف حرف الجر مع أنّ وأنْ: ألا يكون هناك لبس، فإن كان هناك لبس امتنع حذف حرف الجر لئلا يقع المخاطب في لبس.
مثاله: عجبت أن يدوا، يدوا بمعنى: يعطوا الدية، وأصلها: عجبت من أن يدوا؛ وإعرابها: عجبت: فعل وفاعل.
أن: حرف مصدري ينصب الفعل المضارع.
يدوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعل، وأنْْ وما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، والخافض هنا محذوف اطراداً.
وقول ابن مالك (مع أمن لبس) هذا قيد، فإن خيف اللبس فإنه لا يجوز حذف حرف الجر، مثل: رغبت أن أجلس إلى زيد، فكلمة (رغبت) تحتمل: رغبت عن الجلوس إليه، أو رغبت في الجلوس إليه، فأنت إذا خاطبت أحداً وقلت: رغبت أن أجلس إلى زيد، فإنه لا يدري هل أنت ترغب في الجلوس إليه، أو ترغب عن الجلوس إليه.
فإذا قلت: رغبت أن أجلس إلى زيد لأنه يلهيني، فهنا يجوز حذف حرف الجر؛ لأنه زال اللبس بهذا التعليل.
فالحاصل: أن الفعل اللازم يتعدى إلى المفعول به بحرف الجر، فإن حذف حرف الجر وجب نصب المجرور ويقال: إنه منصوب بنزع الخافض.
وحذف حرف الجر ونصب المجرور في أنّ وأنْ مطرد، وفيما سوى ذلك ليس بمطرد، بل مقصور على السماع.