للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم تقدم معمول خبر ما الحجازية]

ثم قال: [وسبق حرف جر أو ظرف كما بي أنت معنياً أجاز العلما].

(سبق) مفعول مقدم، وعامله قوله: (أجاز).

و (العلما) فاعل، والتقدير: وأجاز العلماء سبق حرف جر أو ظرف.

ثم مثل المؤلف بمثال يحدد مراده، فقال: (كما بي أنت معنياً)، فالذي تقدم الآن هو معمول الخبر؛ لأن (ما) نافية، و (بي) جار ومجرور متعلق بمعنياً، والترتيب الأصلي لهذه الجملة: ما أنت معنياً بي، فقدم معمول الخبر على الاسم.

وابن مالك يقول: (أجاز العلما) وظاهر كلامه أن هذا إجماع، وليس كذلك، بل فيه خلاف.

مثال الظرف: ما عندك زيد مقيماً، فعند ظرف متعلق بـ (مقيماً).

فيجوز أن يتقدم معمول الخبر على الاسم، ولا يجوز أن يتقدم الخبر على الاسم، وهذا عجيب، إذ كيف يجوز أن يتقدم فرعه وهو لا يجوز، هذا خلاف الأصل.

والواقع أنه إذا جاز تقدم الفرع جاز تقدم الأصل، لكن يقولون: إنه يغتفر في الظروف والمجرورات ما لا يغتفر في غيرها، وهذا منتقض أيضاً في قولنا: ما عندك زيد، حيث قالوا: لا يصح أن يكون (عند) في محل نصب.

وعلم من قوله: (وسبق حرف جر أو ظرف) أنه لو سبق معمول الخبر، وليس بظرف ولا جار ومجرور فإنه لا يصلح، فلو قلت: ما طعامَك زيد آكلاً، فإنه لا يجوز، إلا إذا أهملتها فقلت: ما طعامَك زيد آكل.

وقول ابن مالك: (أجاز العلما)، ظاهره الإجماع.

ولكن المسألة فيها خلاف أيضاً، فمن العلماء من قال: يجوز أن تقول: ما طعامَك زيد آكلاً، واستدل بالقياس، فقال: إنه إذا جاز تقديم المعمول جاز تقديم العامل، وأنتم أيها النحويون استدللتم على جواز تقديم خبر (ليس) عليها بتقدم معمول الخبر عليها.

فنقول هنا أيضاً: تقديم معمول الخبر يؤذن بجواز تقديم الخبر؛ لأنه معموله وفرعه؛ ولهذا كان الصحيح الجواز، وأنه لا فرق بين أن تقول: ما بي أنت معنياً، وأن تقول: ما طعامك زيد آكلاً، فكلاهما جائز.

بقي أن يقال: هل يجوز أن يتقدم الخبر على ما، فأقول: قائماً ما زيد؟ ف

الجواب

لا، لأنه قد سبق أن ما النافية في كان وأخواتها لا يجوز تقدم الخبر عليها، هذا مع أن الفعل العامل أقوى من الحرف العامل، فكيف إذا كان العامل حرفاً؟! وبهذا يتبين أن المسألة لها صور: طعامَك ما زيد آكلاً، وما طعامَك زيد آكلاً، على قولين، وكلام ابن مالك يدل على المنع.

وما زيد آكلاً طعامَك، صحيح قولاً واحداً.

وما زيد طعامَك آكلاً، يجوز؛ لأنه لم يتقدم على الاسم، إنما تقدم على الخبر، أي: صار متوسطاً بين الاسم والخبر.

وما آكلاً طعامك زيد، لا يصح.

إذاً: قوله: (وترتيب زكن) معناه أنه لا يجوز أن تقول: ما طعامك آكلاً زيد، ولا ما آكلاً طعامك زيد؛ لأنه لا بد من الترتيب بين الاسم والخبر، وفيه الخلاف، وإذا كان فيه خلاف فالصحيح التسهيل: (ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً).

ويرد هنا سؤال وهو: لماذا قال المؤلف: (إعمال ليس أعملت ما)، ولم يقل: إعمال كان، مع أن كان هي الأصل؟ والجواب أن نقول: إن هذه الحروف أشبهت ليس في النفي بخلاف كان؛ لأن كان للإثبات، فلهذا قال: المشبهات بليس، إشارة إلى أن هذه الحروف ألحقت بليس لمشاركتها إياها في النفي.