[حكم تطابق الوصف مع فاعله المغني عن الخبر]
ثم قال المؤلف: [والثان مبتدا وذا الوصف خبر إن في سوى الإفراد طبقا استقر] الوصف: إما أن يكون مفرداً، وما بعده مفرد، أو مثنى وما بعده مثنى، أو جمعاً وما بعده جمع.
فقولنا: أقائم زيد، الوصف مفرد وما بعده مفرد.
وقولنا: أقائمان الزيدان، الوصف مثنى وما بعده مثنى.
وأقائمون الزيدون، الوصف جمع وما بعده جمع.
فإذا كان الوصف جمعاً وما بعده جمع، أو الوصف مثنى وما بعده مثنى؛ تعين أن يكون الوصف خبراً مقدماً.
وإذا كان الوصف مفرداً وما بعده مفرد؛ جاز الوجهان: أن يكون الوصف خبراً مقدماً وما بعده مبتدأ مؤخراً، أو يكون الوصف مبتدأً وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر.
مثل: أقائم زيد، لك أن تقول: الهمزة للاستفهام، و (قائم) خبر مقدم، و (زيد) مبتدأ مؤخر، والأصل: أزيد قائم.
ولك أن تقول: الهمزة للاستفهام، و (قائم) مبتدأ، و (زيد) فاعل أغنى عن الخبر.
وإذا قلت: أقائمان الرجلان؛ فقل: الهمزة للاستفهام، و (قائمان) خبر مقدم، و (الرجلان) مبتدأ مؤخر.
وكذلك إذا كان الوصف جمعاً وما بعده جمع مثل: أقائمون المسلمون، تقول: الهمزة للاستفهام، و (قائمون) خبر مقدم، و (المسلمون) مبتدأ مؤخر، والأصل إذا رددته للترتيب أن تقول: ألمسلمون قائمون.
وإذا كان الوصف مفرداً، وما بعده مثنى تعين أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر، مثاله: أقائم الرجلان، (قائم) مبتدأ، و (الرجلان) فاعل أغنى عن الخبر.
ولكن لا نقول: قائم: خبر مقدم؛ لأنك لو قلت ذلك لأخبرت بمفرد عن مثنى، والإخبار بالمفرد عن المثنى لا يجوز.
وكذلك إذا كان الوصف مفرداً وما بعده جمع؛ فإنه يتعين أن يكون الوصف مبتدأً، وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر، مثاله: أقائم الرجال.
فنقول: (قائم) مبتدأ، و (الرجال) فاعل أغنى عن الخبر، ولا يجوز أن تقول: (قائم) خبر مقدم، و (الرجال) مبتدأ مؤخر؛ لأنك لو قلت ذلك لأخبرت بالمفرد عن الجمع، وهذا لا يجوز في اللغة العربية.
وإذا كان الوصف مما يستوي فيه المفرد والجمع جاز الوجهان، مثاله: أجُنُب الرجلان، يجوز أن تجعل (جنب) خبراً مقدماً، و (الرجلان) مبتدأ مؤخراً، أو تقول: (جنب) مبتدأ، و (الرجلان) فاعل أغنى عن الخبر.
وكذلك قولنا: أجنب الرجال، يجوز الوجهان: أن تجعل (جنب) مبتدأً، و (الرجال) فاعلاً أغنى عن الخبر، أو (جنب) خبراً مقدماً، و (الرجال) مبتدأً مؤخراً، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:٦]، فأخبر بجنب وهي مفرد عن الجماعة؛ لأن (جنب) مما يستوي فيه المفرد وغيره.
يقول: (والثان مبتدا وذا الوصف خبر) يعني: وهذا الوصف، فذا: اسم إشارة، والوصف: نعت أو بدل أو عطف بيان، و (خبر) خبر ذا، يعني: يكون الثاني مبتدأ، ويكون هذا الوصف خبراً.
قال: (إن في سوى الإفراد طبقاً استقر) الذي سوى الإفراد هو التثنية والجمع، يعني: إن استقر مطابقاً في سوى الإفراد، فإن الثاني يكون مبتدأ، ويكون الوصف خبراً، إلا على لغة أكلوني البراغيث.
أما على لغة أكلوني البراغيث فيجوز إذا تطابق في غير الإفراد أن تجعل الوصف مبتدأ، وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر.
أما على لغة سائر العرب فيقولون هنا: يجب أن يكون الوصف خبراً مقدماً كما قال: (والثان مبتدا وذا الوصف خبر).
فإذا قيل: أقائمون الرجال؟ فيجعل الرجال فاعل على لغة أكلوني البراغيث، وأما بقية العرب فيقولون: قائمون: خبر مقدم، والرجال: مبتدأ مؤخر، والفرق أن علامة التثنية والجمع تلحق العامل على لغة أكلوني البراغيث، ولا تلحقه على اللغة الكثيرة المشهورة عند العرب.
ويقولون: قاموا الرجال، كما تلحق تاء التأنيث بالفعل إذا كان الفاعل مؤنثاً، تلحق واو الجماعة إذا كان جماعة.
ويقولون: ضربن النساء، فضربن: فعل ماض، والنون علامة للنسوة فقط، والنساء: فاعل.
وقاموا الرجال، (قاموا) فعل، والواو علامة الجمع فقط، والرجال: فاعل، مثلما تقول: ضربت هند، وتقول: ضربن النساء، فالتاء للتأنيث، والنون أيضاً للتأنيث، لكنها علامة الجمع والتاء علامة الإفراد، هذا مأخذ لغة البراغيث.