للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأنيث الفعل إذا أسند إلى جمع]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [والتاء مع جمع سوى السالم من مذكر كالتاء مع إحدى اللبن] قوله: (التاء): مبتدأ.

مع جمع: حال منها.

سوى السالم: صفة لجمع.

كالتاء: خبر المبتدأ.

مع إحدى اللبن: أي: مع واحدة اللبن وهي: لبنة.

يقول رحمه الله: إن التاء مع الجموع في غير المذكر السالم كالتاء مع مجازي التأنيث، والتاء مع مجازي التأنيث جائزة وليست واجبة، تقول: طلعت الشمس، وتقول: طلع الشمس، وتقول: حمُِلَت اللبنة، وحُمِلَ اللبنة؛ وتقول: كُتبت الجملة، ويجوز: كتب الجملة.

والجموع تنقسم إلى: جمع تكسير للمذكر، وجمع تكسير للمؤنث، وجمع سالم للمذكر، وجمع سالم للمؤنث، واسم جمع.

فهذه خمسة أقسام: قسم منها يجب فيه التذكير، والباقي يجوز فيه التذكير والتأنيث، والذي يجب فيه التذكير هو جمع المذكر السالم، وهو الذي سلم فيه بناء المفرد، أي: أنه يجمع ولا يتغير المفرد، مثل: المسلمون، هذا جمع مذكر سالم، تقول: جاء المسلمون، ولا تقل: جاءت المسلمون؛ لأنه جمع مذكر سالم.

وتقول: قدم بنو فلان، وقدمت بنو فلان؛ لأن (بنون) جمع تكسير، إذاً لا يدخل في كلام ابن مالك.

ثم إن في القرآن الكريم: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} [يونس:٩٠]، فأنث الفعل (آمنت) مع الفصل أيضاً: (آمنت به).

إذاً: بنون يجوز أن يذكر ويجوز أن يؤنث؛ لأن ابن مالك رحمه الله لم يستثن إلا جمع المذكر السالم، فهو الذي تمتنع فيه التاء والباقي يجوز فيه الوجهان.

وتقول: قال الرجال، وقالت الرجال؛ لأنه مكسر، قال الله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ} [الحجرات:١٤].

وتقول: قالت الهنود، وقال الهنود؛ لأنه جمع تكسير لمؤنث.

وتقول: قامت المسلمات، وقام المسلمات، على رأي ابن مالك لأنه جمع مؤنث سالم.

والصحيح أن الجمع السالم حكمه حكم مفرده، فإن جاز في مفرده التذكير والتأنيث جاز في جمعه، وإن وجب التأنيث في المفرد وجب في الجمع، وإن وجب التذكير في المفرد وجب في الجمع.

وعلى هذا فجمع المؤنث السالم يجب فيه التأنيث، فتقول: قامت المسلمات، ولا يجوز أن تقول: قام المسلمات، وهذا القول هو الراجح، وهو الذي اختاره ابن هشام رحمه الله؛ على أن تأنيث الجمع مبني على تأنيث المفرد، فما وجب تأنيثه مفرداً وجب تأنيثه جمعاً، وما وجب تذكيره مفرداً وجب تذكيره جمعاً، هذا مقتضى القياس، حتى ابن مالك رحمه الله لما ذكر أن جمع المذكر السالم يجب فيه التذكير نقول له: إذاً وجمع المؤنث السالم يجب فيه التأنيث إذا كان مؤنثه حقيقياً.

وذهب بعض العلماء إلى أن كل جمع يجوز فيه التذكير والتأنيث، حتى السالم من هذا وهذا، ومنه قول الزمخشري: لا تبال بجمعهم كل جمع مؤنث أي: وإذا كان الجمع مؤنثاً فلن يحدث أي شيء؛ لأن المرأة ليست أهلاً للقتال، والشاهد قوله: كل جمع مؤنث، ووجه هذا القول: أنك إذا قلت مثلاً: قالت المسلمون، فإنك تؤول (المسلمون) بالجماعة، أي: قالت جماعة المسلمين.

ومنه ما جاء في بعض النسخ في العقيدة الواسطية قال شيخ الإسلام: (فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاءت به المرسلون)، فإن (المرسلون) جمع مذكر سالم، ومع ذلك وقعت بالتأنيث، لكن من المعلوم أن كلام ابن تيمية رحمه الله لا يحتج به في اللغة العربية؛ لأنه جاء بعد تغير اللغة بأزمنة متطاولة، لكننا نذكره استئناساً فقط لا احتجاجاً.

وعلى كل حال: يجب أن نعلم الآن أن جميع الجموع يجوز في فعلها التذكير والتأنيث إلا واحداً -على رأي ابن مالك - وهو جمع المذكر السالم فإنه يتعين فيه التذكير، والصحيح أنه يستثنى شيء آخر وهو جمع المؤنث السالم فإنه يجب فيه التأنيث، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.