حكم كون النعت مشتقاً
قال ابن مالك: [وانعت بمشتق كصعب وذرب وشبهه كذا وذى والمنتسب] قوله: (وانعت بمشتق) يعني: لا تجز النعت إلا بمشتق، والمشتق معناه: ما دل على الوصف والفاعل، مثل: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل؛ لأنه يدل على الوصف وفاعله، فمثلاً: قائم يدل على القيام وذات متصفة بالقيام، ومظروف يدل على الظرف وذات متصفة بوقوع الظرف عليها، وبطل يدل على البطولة ورجل متصف بها، وأفضل يدل على الأفضلية ورجل متصف بها.
وإنما وجب النعت بالمشتق؛ لأن المشتق وصف لذات، فلابد أن يكون مشتملاً على الوصف والذات.
فإذا قلت: مررت بالرجل الفاضل، فالفاضل وصف لرجل وهو ذات، فلابد أن يشتمل على وصف وذات، وهذا لا يكون إلا في المشتق.
فهذا وجه كونه لابد أن يكون النعت مشتقاً.
ومثل له ابن مالك بقوله: (كصعب وذرب) فأعطى الحكم والمثال، فبالحكم تتقرر القاعدة وبالمثال تتضح القاعدة، ومن حسن التعليم أن الإنسان إذا أتى بالأحكام يعقبها بالأمثلة حتى تتضح، لاسيما الأشياء التي يصعب فهمها، فإنه بضرب الأمثال تعقل المعاني، وهناك كتاب اسمه: النحو الواضح، وكتاب: البلاغة الواضحة قرأناهما في المعاهد يأتي بالأمثلة أولاً ثم يشرحها ثم يستنتج القاعدة، والأولون يأتون أولاً بالأحكام ثم بالأمثلة.
وقوله: (انعت بمشتق كصعب وذرب) (صعب) مأخوذ من الصعوبة، فهي إذاً مشتقة و (ذرب) من الذرابة، فهي إذاً مشتقة.
والصعوبة والذرابة تقتضي أن الإنسان يكون حازماً ولا يكون عنده لين فيضعف، ولا خمول فيكسل.
وقوله: (وشبهه) يعني شبه المشتق، مثل: (كذا وذي والمنتسب)، أي: يجوز أن ينعت بما يشبه المشتق، مثل (ذا) الذي هو اسم إشارة وهي مؤولة بالمشتق، وتأويلها بالمشار إليه، تقول: أكرم الرجل هذا، فـ (هذا) صفة للرجل.
فإذا قال قائل: أسماء الإشارة غير مشتقة، نقول: لكن مؤولة بالمشتق، والتقدير: أكرم الرجل المشار إليه، والمشار اسم مفعول فهو مشتق.
فإذاً: يقول: (وشبهه) أي: مما يؤول بالمشتق كاسم الإشارة (ذا وذي) لكن (ذا) للمفرد المذكر، و (ذي) للمفردة المؤنثة.
(والمنتسب) أي: المنسوب إلى مكان أو قبيلة أو حرفة أو ما أشبه ذلك، تقول: رأيت الرجل التميمي، فالتميمي جامد، لكن نقول: هذه نسبة؛ فيؤول التميمي بالمنسوب إلى تميم، والمنسوب إلى مكان مثل: أكرم الرجل المدني، أكرم الرجل المكي وما أشبه ذلك، فهذا منسوب إلى المكان.
إذاً: ينعت بالمشتق والمؤول بالمشتق وهو اسم الإشارة والمنسوب.
فإن قيل: هذا رجل حجر، فحجر جامد فلا يصح الوصف به إلا إذا كان مؤولاً.
أما أن تقول: هذا رجل حجر؛ تريد الحجر الحقيقي بدون تأويل فهذا لا يصح، فيؤول هذا رجل حجر، أي: رجل قاسٍ.
ويقال: هذا تلميذ زبدة، فالزبدة جامد فلا يصلح الوصف بها إلا أوَّلت، فتكون زبدة بمعنى اللين أي: ليس قوياً.