[ما يلازم الإضافة إلى غير الاسم الظاهر]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبعض ما يضاف حتماً امتنع إيلاؤه اسماً ظاهراً حيث وقع كوحد لبي ودوالي سعدي وشذ إيلاء يدي للبي] (حتماً) بمعنى لازماً، يعني: بعض الذي تجب إضافته يمتنع إيلاؤه اسماً ظاهراً، فهذا البيت تتمة للبيت الأول، يعني: أن من الأسماء الملازمة للإضافة ما لا يضاف إلى اسم ظاهر.
وبعض: مبتدأ.
حتماً: متعلقة بيضاف.
امتنع: خبر المبتدأ.
إيلاؤه: فاعل امتنع.
واسماً: مفعول لإيلاء؛ لأنه مصدر يعمل عمل فعله.
حيث وقع: متعلق بإيلاؤه أو متعلق بامتنع.
يعني: يجوز أن يمتنع أن يليه اسم ظاهر وهو ملازم للإضافة.
القاعدة من هذا البيت: أن بعض الأسماء التي تتعين فيها الإضافة لا يضاف إلى اسم ظاهر، مثاله: (كوحد لبي ودوالي سعدي) هذه أربع كلمات: (وحْد) لا تأتي إلا مضافة، تقول مثلاً: خرجت وحدي، ورأيتك وحدك.
ولا يمكن أن تقول: خرجت وحداً، يعني: فريداً، ولا رأيتك وحداً، أي فريداً، بل لابد أن تضاف، ولكن لا تضاف إلى اسم ظاهر، فلا يمكن أن تقول: رأيت زيداً وحد غلامه.
وإذا قلت: رأيت الرجل وحده، فوحده حال كما سبق لنا في باب الحال، والحال لا تقع معرفة، لكنها هنا مؤولة بمنفرداً.
كذلك (لبي) ملازمة للإضافة إلى الضمير، فلا تأتي مفردة ولا تأتي مضافة إلى اسم ظاهر، فلا تقول: لبي زيد، ولا لبي ربي، بل لابد أن تضيفها إلى ضمير مخاطب، لا ضمير غيبة ولا ضمير متكلم، فلا يمكن تقول: لبيي يعني: كأنك أجبت نفسك، ولا: لبيه، تخبر أنك تلبي إنساناً غائباً، بل تقول: لبيك.
والعوام يستعملون (لبيه) بمعنى (لبيك) فيبدلون الكاف هاء.
وأيضاً: (دوالي) تقول: (دواليك) مأخوذة من التدالي، يعني: أنه يدول بعضها على بعض، مثل قوله تعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠].
وبعض الناس يقولون: معناها: إدالة بعد إدالة، وليس كذلك؛ لأن الإدالة الغلبة، ولا معنى لها في سياق (دواليك) إنما معناها التدالي والتعاقب، فيوجد فرق بينها وبين الغلبة.
وأيضاً: (سعدي) من سعديك، ومعناه: إسعاداً بعد إسعاد، والإسعاد إما من إعطاء السعادة، وإما من المواساة ودفع الأحزان والتسلية.
وهي على كل حال لا تذكر إلا مع لبيك، فهي تابعة لها دائماً، تقول: لبيك وسعديك، كما كان ابن عمر رضي الله عنه يقول هذا في تلبيته: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل.
فلبيك بمعنى: أجبتك، وسعديك بمعنى: طلبت منك المعونة بعد المعونة.
هذه أربع كلمات ملازمة للإضافة إلى اسم مضمر مخاطب ولا يجوز أن تضاف إلى اسم ظاهر؛ فلهذا قال: (وشذ إيلاء يدي للبي)، يعني: أنه ورد في كلام العرب: فلبى فلبي يدي مسور وما قال: فلبيك، فـ ابن مالك يشير إلى هذا البيت ويقول: إنه شاذ، ووجه الشذوذ أنه أضيف إلى اسم ظاهر، كما شذ كذلك إضافته إلى ضمير الغيبة، كقول الشاعر: لقلت لبيه لمن يدعوني والحاصل: أن هذه أربع كلمات أفادنا المؤلف أننا لو أتينا بها غير مضافة لم يصح، ولو أتينا بها مضافة إلى اسم ظاهر لم يصح، ولو أتينا بها مضافة إلى ضمير غير مخاطب لم يصح، إذاً: فاستعمالها ضيق.
نرجع الآن إلى معانيها: وحد: أي منفرداً.
لبي: أي إجابة بعد إجابة، من قولهم: ألب بالمكان.
وقولهم: دوالي: أي تداولاً بعد تداول.
سعدي: إسعاداً بعد إسعاد.
ثم هي معربة على أنها مفعول مطلق أو مصدر لفعل محذوف من لفظها، ثم إنها معربة على أنها ملحقة بالمثنى؛ لأن صورتها صورة التثنية ولكن المراد منها الكثرة.
فتكلمنا الآن عن حكمها من حيث الإضافة، وعن معناها، وعن إعرابها.