[حكم دون والجهات الست في الإضافة]
قوله: (ودون) تقول مثلاً: عندي لك دراهم دون العشرة، فتعرب هنا؛ لأنها مضافة والمضاف إليه مذكور.
وتقول مثلاً: بعت هذا الشيء بدون، أي: بدون زيادة، فلابد عند الحذف من العلم بالمحذوف؛ لأنه قد تقدم أن القاعدة: أنه لا يحذف إلا الشيء الذي يعلم، كما في قوله: (وحذف ما يعلم جائز).
فلا يمكنني أن أحذف المضاف إليه ولم يوجد ما يدل عليه، لكن إذا وجد ما يدل عليه، وحذف ونوي لفظه فهي معربة بدون تنوين، وإن نوي معناه فهي مبنية على الضم، وإن حذف بغير تقدير لا لفظاً ولا تقديراً، فإنها تكون معربة.
قوله: (والجهات أيضاً) أي: الجهات الست: فوق وتحت، وأمام وخلف، ويمين وشمال.
هذه الجهات حكمها حكم قبل وبعد، إن حذف المضاف إليه ونوي معناه فهي مبنية على الضم، تقول: أتيت إليه من فوقُ، فهنا حذف المضاف إليه ونوي معناه.
وقال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:٥٠]، ((مِنْ فَوْقِهِمْ))، لم يبن على الضم؛ لأن المضاف إليه مذكور.
وقوله تعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} [الأعراف:٤٣]، فتحت معربة؛ لأن المضاف إليه مذكور.
وتقول: جرى الماء من تحتُ، فتحت هنا مبنية؛ لأنه حذف المضاف إليه ونوي معناه.
وتقول مثلاً: أتيتك من اليمين، فاليمين معربة؛ لأن الإضافة هنا لا يمكن أن تقدر؛ لوجود (أل).
لكن إذا قلت: أتيته من يمينُ، فهذه مبنية على الضم في محل جر؛ لأنه حذف المضاف إليه ونوي معناه.
و (شمال) نفس الشيء، تقول: أتيت إلى زيدٍ من شمالِ بيته، فشمال معربة؛ لأنه ذكر المضاف إليه.
وتقول: أتيته من شمالُ، مبنية على الضم؛ لأنه حذف المضاف إليه ونوي معناه.
وتقول: أتيته من شمالِ بدون تنوين، على أنك حذفت المضاف إليه، ونويته لفظاً، فلا تكون (شمال) مجرورة بالتنوين.
وتقول مثلاً: أتيت إليه من شمالٍ، فهنا حذف المضاف إليه لفظاً ومعنى.
والمعروف عند العرب أن هذه الجهات بالنسبة للإنسان.
أما الشمال والجنوب بالنسبة للأفق فهو واحد، فالشمال ما كان عن يمين مستقبل الشمس عند غروبها، والجنوب ما كان عن يمين مستقبل الشمس عند طلوعها، والشرق والغرب معروف.
وقوله: (وعلُ) معنى علُ: فوق، كقول امرئ القيس: مكر مفر مقبل مدبر معاً كجلمود صخر حطه السيل من علِ فـ (علِ) معربة؛ لأنه حذف المضاف إليه ونوي لفظه.
وقال بعضهم: يجوز أن يكون حذف المضاف ولم ينو لفظه ولا معناه لكنه لم ينون من أجل الروي.
وهو محتمل.