[دعاء ابن مالك لنفسه ولابن معط]
ثم قال المؤلف رحمه الله: [والله يقضي بهبات وافره لي وله في درجات الآخره] (يقضي): أي يحكم؛ لأن القضاء يكون بمعنى الحكم، والجملة هنا خبرية لفظاً إنشائية معنى؛ لأن المراد بها الدعاء، يعني: أسأل الله أن يقضي بهبات وافرة.
والهبات: جمع هبة وهي العطية والمنحة.
والوافرة: الكثيرة.
وقوله: (بهبات وافرة) قد يقول قائل: لماذا وصف الهبات وهي جمع بوافرة وهي مفرد؟ والجواب عن ذلك أن نقول: إنه إذا كان الجمع لما لا يعقل فإنه يجوز أن يوصف بالمفرد، وهذا في جمع الكثرة كثير، ولكنه في جمع القلة قليل، و (هبات) من جمع القلة؛ لأن الجمع السالم من مذكر أو مؤنث يعتبر من جمع القلة، وجمع القلة له أوزان معينة وجمع الكثرة له أوزان معينة.
جمع القلة أوزانه أربعة، قال ابن مالك فيها: أفعلة أفعل ثم فعله ثم أفعال جموع قله إذاً: جموع القلة هي: الجموع السالمة مثل المسلمون والمسلمات، والثاني: جموع التكسير الدالة على القلة.
قوله: (لي وله في درجات الآخره): بدأ بنفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك) والبداءة بالنفس هي الأولى في الدعاء.
وقوله: (في درجات الآخرة) يعني يوم القيامة، وهو بالنسبة لـ ابن معط حيث إنه قد مات لا تمكن الهبات إلا في الآخرة، لكن بالنسبة لـ ابن مالك وهو موجود يمكن أن تكون هبات في الدنيا وهبات في الآخرة، لكنه رحمه الله اختار أن تكون الهبات في الآخرة؛ لأنها هي الباقية.
أورد بعض الناس على هذا البيت لـ ابن مالك إيرادين: الإيراد الأول: أنه وصف الهبات وهي جمع بوافرة، والأفصح فيها المطابقة، أي أن يقال: بهبات وافرات.
الثاني: قوله: (لي وله).
قالوا: خص نفسه وابن معط بالدعاء، فلم يدع لجميع المسلمين.
والجواب عن الأول: أنه وصفها بما يوصف به جمع الكثرة جبراً لنقصها.
والجواب عن الثاني: أنه لا مانع من أن يدعو الإنسان لنفسه ولغيره ممن يرى تخصيصه، أو يدعو بالعموم.
نعم.
لو قال: (لي وله ولا تقض بالهبات لغيرنا) لكان هذا خطأ، أما تخصيص الإنسان نفسه بالدعاء أو من شاء من الناس فإنه لا يلام عليه ولا يذم، ولكن المحشين دائماً ينقشون، فقالوا: لو قال: والله يقضي بالرضا والرحمه لي وله ولجميع الأمه لكان أحسن! على كل حال: الأصل أن ابن مالك لا اعتراض عليه في هذا، فلا نرى أنه معترض عليه، وتخصيص الإنسان نفسه أو غيره بالدعاء لا بأس به، وقد جاءت السنة بالتخصيص للنفس كثيراً وبتخصيص الغير كثيراً أيضاً، مثل: (اللهم اغفر لـ أبي سلمة وارفع درجته في المهديين)، وفي الجلوس بين السجدتين: (رب اغفر لي وارحمني)، ولا حرج في هذا.