للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم المستثنى بسوى]

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولسِوى سُوى سواء اجعلا على الأصح ما لغير جعلا] اجعلا: بالألف للإطلاق، ويجوز أن تكون منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، لأن نون التوكيد الخفيفة يجوز قلبها ألفاً (وقفاً كما تقول في قفن قفا) كما قال ابن مالك.

فهنا يجوز أن نجعل (اجعلا) فعل أمر مؤكداً بالنون المنقلبة ألفاً، ويجوز أن نجعله فعل أمر والألف للإطلاق؛ لكن الأولى أن نجعله فعل أمر مؤكداً، لأننا إذا جعلنا الألف للإطلاق، لزم من هذا أمران: تغيير الفعل، وزيادة ألف، وإذا جعلناها نيابة عن نون التوكيد صار الفعل مبنياً على الفتح لأنه متصل بنون التوكيد، وصارت الألف أصلية منقلبة عن نون التوكيد.

وقوله: (ولسوى سوى سواء) هي كلمة واحدة في الواقع لكن لها ثلاث صور: سِوى، سُوى، سواء، بالمد.

(اجعلا على الأصح ما لغير جعلا)، يعني: اجعل لها ما جعلت لغير، وتقدم أن ما بعد (غير) يجر بالإضافة دائماً، وأما هي فتعرب كإعراب المستثنى بإلا.

إذاً: أضف (سوى) بصورها الثلاث في الحكم إلى غير، ويكون المستثنى بسوى دائماً مجروراً، أما هي فعلى حسب المستثنى بإلا، مثل غير تماماً.

فتقول مثلاً: قام القوم سواء زيد، أي: غير زيد، وتقول: قام القوم سِوى زيد، وقام القوم سُوى زيد، وإعراب "سِوى وسُوى وسواء" واحد.

تقول: قام القوم سواءَ زيدٍ.

وتقول: ما قام القوم سواءَ زيدٍ، لكنه مرجوح، وتقول: ما قام القوم سواءُ زيدٍ، وهو الراجح.

وإذا قلت: ما قام القوم سواءُ حمارٍ.

فهذا ممنوع عند الحجازيين، وجائز عند بني تميم.

وتقول: (ما قام سواءُ زيدٍ) بالرفع وجوباً.

وتقول: (ما رأيت سواءَ زيدٍ) بالنصب وجوباً.

وتقول: (ما مررت بسواءِ زيد) بالجر وجوباً.

وأنا اخترت التمثيل بسواء لأنها تظهر عليها الحركات، وإلا فسِوى وسُوى معناهما مع سواء واحد.

وقول المؤلف: (على الأصح) يشير إلى أن هناك خلافاً مرجوحاً وهو خلاف سيبويه، الذي جعل (سِوى وسُوى وسواء) دائمة النصب على الظرفية، وما ورد على خلاف ذلك فمؤول.

ولا ريب أن هذا القول لا حظ له من النظر، وأن قول ابن مالك أصح، إذ إنه ورد في اللغة العربية على أنها حسب العوامل، فتكون منصوبة إذا تم الكلام وكان موجباً، وتكون مبدلة أو منصوبة إذا تم وكان منفياً أو شبهه، فكل من يقول إنها إذا وردت غير منصوبة تحتاج إلى تأويل، فقوله خلاف الظاهر، والصواب مع ابن مالك.

وتوسط قوم فقالوا: إن الأكثر أن تكون منصوبة على الظرفية، وأنها تستعمل أحياناً للاستثناء فتكون كغير، لكن رأي ابن مالك أن حكمها حكم غير، و (غير) حكمها حكم المستثنى بإلا على حسب التفصيل السابق.

وليس من الاستثناء مثل قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [المنافقون:٦] لكن إذا جاءت (سواء) بمعنى إلا، فهي التي تعامل كغير، أما إذا جاءت مبتدأ أو ما أشبه ذلك فحكمها معروف.