للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حذف العائد المجرور بالوصف]

ثم قال: [كذاك حذف ما بوصف خفضا كأنت قاضٍ بعد أمر من قضى] الآن انتقل إلى حذف العائد المجرور، والمجرور قد يجر بوصف، وقد يجر بحرف، ولكل منهما شروط.

فيقول: (كذاك حذف ما بوصف خفضا) يعني: أن العائد المجرور يحذف، لكن أحياناً يجر بوصف، وأحياناً يجر بحرف وخرج ابن مالك عن قاعدة البصريين في هذا البيت لكونه أطلق على (الجر) الخفض.

فإذا جر بوصف؛ فإنه يجوز حذفه، مثاله: قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:٧٢] وهو المراد بقول المؤلف: (كأنت قاض بعد أمر من قضى) فهو يشير إلى الآية، والأمر من قضى اقض.

(ما أنت قاض) (ما) اسم موصول، و (قاض) وصف، وأصل الكلام: اقض ما أنت قاضيه، فحذف الضمير المجرور؛ لأنه مجرور بوصف.

ولو قلت: أكرم الذي غلامه في البيت، وأردت أن تحذف الهاء من (غلامه)، وتقول: أكرم الذي غلام في البيت، لا يجوز الحذف؛ لأنه جر بالإضافة إلى غلام، وهو ليس وصفاً؛ فالعائد المجرور يحذف، لكن بشرطين: الشرط الأول: أن يكون مجروراً بوصف.

والشرط الثاني: أن يكون مجروراً بوصف مستقبل.

وأخذنا هذين الشرطين من قوله: كأنت قاض بعد أمر من قضى.

ولو قال: جاء الذي مضروبه في البيت، وأراد أن يحذف الهاء فقال: جاء الذي مضروب في البيت، لا يجوز؛ لأنه لا بد أن يكون الوصف اسم فاعل، وأيضاً بمعنى الحال أو الاستقبال، فعلى هذا إذا قلت: جاء الذي مضروب في البيت، فإنه لا يستقيم.

قد يقول قائل: جاء الذي هو مضروب في البيت، نقول: يختلف المعنى اختلافاً كبيراً، إذا قلت: جاء الذي هو مضروب في البيت، صار الجائي هو الذي ضُرب في البيت.

وإذا قلت: جاء الذي مضروبه في البيت، كان الذي في البيت ليس الجائي ولكنه من ضربه الجائي، فيكون الجائي هو الضارب.

فما جر بالإضافة: إن جر باسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال جاز حذفه، ومثاله: قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:٧٢].

وإن جر بحرف أو باسم جامد أو جر بوصف غير اسم الفاعل فإنه لا يجوز.

لكن ما جر بالحرف يقول المؤلف فيه: [كذا الذي جر بما الموصول جر كمر بالذي مررت فهو بر] (كذا الذي جر): كذا يعني الضمير الذي جر (بما الموصول جر)، أي: بحرف جر الموصول.

وعلى هذا فنعرب (الموصول) على أنه مفعول جر مقدماً، وتقدير البيت: كذا الذي جُرّ بحرف جَرّ الموصول، بحيث يكون الموصول مجروراً بالباء، والعائد مجروراً بالباء، فإن اختلف الجار فلا حذف.

فيحذف العائد المجرور بالحرف بشرط أن يجر بالحرف الذي جر الموصول، يؤخذ الشرط من قول المؤلف: (بما الموصول جر).

ثم مثل قال: (كمر بالذي مررت فهو بر) (فهو بر) تكميل للبيت.

(مر بالذي مررت) أصلها مر بالذي مررت به، فحذف الضمير المجرور بالباء، وحذف حرف الجر؛ لأنه لا يمكن أن يبقى حرف الجر بدون مجرور.

قال الله تبارك وتعالى: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون:٣٣] وأصله: مما تشربون منه، لكن حذف العائد وهو الضمير المجرور بمن، وحذف حرف الجر لأنه لا يمكن أن يبقى وحده، وصارت الآية: ((مِمَّا تَشْرَبُونَ)).

فإن اختلف حرف الجر فإنه لا يحذف المجرور، فإذا قلت: رغبت فيما رغبت عنه، أي: رغبت أنا فيما رغبت عنه أنت، فلا يمكن أن نحذف الهاء في قوله: عنه؛ لاختلاف الحرف، فيتعين أن يوجد الحرف والعائد، ولا يجوز الحذف.

ويشترط أيضاً أن يكون العامل الذي تعلق به حرف الجر مطابقاً للعامل الذي جر الموصول لفظاً ومعنى.

مثال ذلك أن تقول: مررت بالذي مررت به، فهنا العاملان متفقان، كلاهما مر، والحرفان متفقان، وكلاهما باء، والمعنى واحد.

فإن اختلف الحرف امتنع الحذف، مثاله: رغبت فيما رغبت عنه، وإن اختلف اللفظ في العاملين امتنع الحذف، فلو قلت: وقفت على ما قمت عليه، أي: وقفت أنا على ما قمت عليه أنت، أي: وقف، امتنع الحذف؛ لاختلاف العاملين لفظاً مع اتحاد معناهما.

ولو قلت: وقفت على من وقفت عليه، تريد بالأول القيام، وتريد بالثاني الوقف الذي هو التحبيس والتسخير، فلا يجوز الحذف؛ لاختلاف العاملين معنى.

فصار الشرط في العائد المجرور بالحرف اتفاق الحرفين، واتفاق العاملين لفظاً ومعنى، والمثال في كتاب الله عز وجل: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون:٣٣].