[حكم حذف خبر (لا) النافية للجنس]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر إذا المراد مع سقوطه ظهر] شاع: فعل ماض.
في ذا الباب: جار ومجرور متعلق بشاع.
إسقاط: فاعل.
الخبر: مضاف إليه.
إذا: شرطية.
المراد: في إعرابه ثلاثة أقوال: القول الأول: إنه فاعل مقدم، وفعله: (ظهر).
القول الثاني: إنه مبتدأ وخبره: (ظهر).
القول الثالث: إنه فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده وهو (ظهر).
والقول الأخير قول البصريين، والأول قول الكوفيين، وهو -حسب القاعدة- الراجح.
فعلى القول بأن (المراد) مبتدأ يكون فيه دليل على جواز إضافة (إذا) إلى الجمل الاسمية.
وعلى القول بأن (المراد) فاعل للفعل المذكور بعده يكون فيه دليل على جواز تقدم الفاعل، وهذا هو الذي نختار، وهو الأيسر، وله أمثلة في القرآن، كقوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} [الانشقاق:١]، كيف تعرب (السماء) على رأي البصريين: فاعل لفعل محذوف، والتقدير: إذا انشقت السماء، وعلى أحد قولي الكوفيين: السماء: مبتدأ، وانشق: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل مستتر، وجملة (انشقت) خبر المبتدأ، وعلى الوجه الثاني لهم يقولون: السماء: فاعل مقدم، وانشق: فعل ماض، والتاء للتأنيث.
وجواب الشرط في قوله: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:١ - ٤]، أي: فالأمر عظيم.
ولو قيل بأن الأصح من هذه الأقوال أن ما يلي (إذا) هو المبتدأ وما بعده خبر للمبتدأ لكان أوجه؛ لأن هذا يستلزم أن تكون الجملة مؤكدة؛ إذ إن المبتدأ صار في جملة الخبر فاعلاً، فكأنه أسند الفعل إلى فاعله مرتين فيكون هذا أبلغ.
قوله: (وشاع) أي: كثر وانتشر (في ذا الباب) يعني: باب (لا) النافية للجنس (إسقاط الخبر) هذا فاعل شاع، أي: أنه كثر إسقاط الخبر في باب (لا) النافية للجنس؛ لكن بشرط: (إذا المراد مع سقوطه ظهر) يعني: إذا ظهر المراد مع سقوطه.
مثال ذلك أن يقال: هل في البيت من رجل؟ فتقول: لا رجل.
أي: في البيت.
وكما يقول من يعود المريض: لا بأس، أي: لا بأس عليه.
وكما يقول المفتي لمن سأله: لا حرج، أي: عليك، كقول النبي عليه الصلاة والسلام وقد سئل في التقديم والتأخير في مناسك الحج يوم العيد فقال: (لا حرج)، أي: لا حرج عليك.
وعلم من قوله: (إذا المراد مع سقوطه ظهر): أنه إذا لم يظهر المعنى فإنه لا يجوز الحذف، كأن تقول: لا رجل، وتسكت، فإنه لا يعلم هل المقصود: لا رجل موجود، أو لا رجل في البيت، أو لا رجل مريض، أو لا رجل صحيح، فإذا كنا لا نعلم ما هو المحذوف امتنع الحذف.
وهذه المسألة مأخوذة من قاعدة سبقت لنا في باب المبتدأ والخبر في قول ابن مالك: (وحذف ما يعلم جائز).
فتلك قاعدة عامة في كل شيء: كل ما يعلم فحذفه جائز، وكل ما لا يعلم فحذفه ممتنع؛ لأن المراد بالكلام بيان المعنى، فإذا لم يعلم فإنه يمتنع الحذف.
وبهذا انتهى الكلام على لا النافية للجنس.