[شروط إعمال ما عمل ليس]
قال: [إعمال ليس أعملت ما دون إن مع بقا النفي وترتيب زكن] إعمال: مصدر مبين للنوع، وعامله (أعملت) وهو مضاف إلى (ليس).
أعملت: فعل ماض مبني للمجهول.
ما: نائب فاعل لأعمل.
وتقدير الكلام: أعملت ما إعمال ليس، والذي عمل هذا الإعمال هم العرب.
وابن مالك رحمه الله لم يصغ هذا الفعل صيغة المجمع عليه، فقال: (أعملت) يعني: أعملها ناس، فالذي أعملها الحجازيون دون التميميين، فالتميميون أهملوها؛ لأن الأصل عندهم أن الحروف لا تعمل إلا الحرف المختص؛ ولهذا فإن (هل) حرف استفهام لا يعمل؛ لأنها مشتركة بين الأسماء والأفعال.
لكن (إلى) و (من) و (على) و (لم) و (إن الشرطية) تعمل؛ لأن (لم وإن) مختصة بالأفعال، و (إلى وعلى) مختصة بالأسماء، وهذه القاعدة أغلبية وليست مطردة في كل حال.
فإذاً: الذين أعملوا (ما) إعمال (ليس) هم الحجازيون، وبلغتهم جاء القرآن، قال الله تبارك وتعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:٣١].
وبنو تميم قبل توحيد القرآن على حرف واحد يقرءون: (ما هذا بشرٌ) أما بعد توحيده فيجب أن يقرأ بما وحده عليه الصحابة.
وهنا بيت أديب يقول فيه: ومهفهف الأعطاف قلت له انتسب فأجاب: ما قتل المحب حرام فهذا الحبيب ينتمي إلى قبيلة تميم؛ لأنه قال: ما قتل المحب حرامُ، ولو كان حجازياً لقال: ما قتل المحب حراماً.
لكن يشترط لإعمال (ما) عمل ليس أن تكون غير مقترنة بإن؛ ولهذا قال ابن مالك: (دون إن).
فإن اقترنت بإن لم تعمل، والمراد بإن هنا إن الزائدة، ومن ذلك قول الشاعر: بني غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ وَلا صَرِيفٌ ولكِنْ أَنْتُمُ الخَزَفُ الخزف من الطين، والذهب معروف، والصريف الفضة، فيقول: أنتم ما لكم أصل، إذ معدنكم رديء لأنه من الخزف، ولا يريد أن يبين للناس أن أصل بني آدم من طين.
وهنا لم تعمل ما؛ لأنها اقترنت بإن الزائدة.
ولو قلت: ما زيد قائماً، صح.
وإن قلت: ما إن زيد قائماً، فهذا خطأ؛ لأنها اقترنت بها إن الزائدة، وإذا اقترنت بها إن الزائدة بطل عملها.
الشرط الثاني: قوله: (مع بقا النفي وترتيب زكن).
(مع) ظرف مكان منصوب على الظرفية، وربما قيل فيه: معْ، لكنه قليل، كما قال ابن مالك: ومعَ معْ فيها قليل ونُقل فتح وكسر لسكون يتصل لكن هنا لا يجوز (معْ)؛ لأنه ينكسر البيت، فيقال: معَ بقا النفي، و (بقا) أصلها: بقاء، بالهمزة ولكن حذفت الهمزة لاستقامة ميزان النظم.
وقوله: (وترتيب) يعني: ومع ترتيب زكن.
هذان شرطان: الشرط الأول: أن يبقى النفي، فإن انتقض النفي فإنها لا تعمل، مثاله: ما زيد إلا قائم، فلا يجوز أن تقول: ما زيد إلا قائماً؛ لأن النفي انتقض.
وقيل: تعمل وإن انتقض النفي.
فتقول: ما زيد إلا قائماً، لكن هذا القول ضعيف؛ لأن القرآن يدل على أنه إذا انتقض نفيها بطل عملها، قال الله تعالى: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [المؤمنون:٢٤] فرفع (بشر) لأنه انتقض النفي بإلا، وعلى هذا نعرب الآية فنقول: (ما) نافية ملغاة، و (هذا) مبتدأ، و (إلا) أداة حصر، و (بشر) خبر المبتدأ.
وإذا قلت: ما ما زيد قائم، أو ما ما زيد قائماً، فلا بد من التفصيل: إذا كانت ما الأولى نافية والثانية نافية، فهنا يتعين الرفع؛ لأن النفي انتقض؛ لأن نفي النفي إثبات، فقولنا: ما ما زيد قائم، يعني: ليس الأمر انتفاء قيام زيد.
وإن جعلنا (ما) الثانية توكيداً للأولى غير مستقلة عملت؛ لأن النفي باق بل أكد، كما لو قلت: ما زيد قائماً ما زيد قائماً، هنا كررها في الجملة كلها، فإذا كررت ما وحدها فهو توكيد.
ولكن هل إذا عبرت ابتداء فقلت: ما ما زيد قائماً، هل هذا صحيح؟ نقول: لا.
هذا خلاف الأصل؛ لأن الأصل في الكلام التأسيس لا التأكيد، وإذا كان الأصل في الكلام التأسيس صار النفي هنا منفياً فينتقض، لكن لو فرض أنه وجد في لغة العرب: (ما ما زيد قائماً) هكذا بالنصب، فنقول: أراد المتكلم أن ما الثانية توكيد.
الشرط الثالث قوله: (وترتيب زكن).
أي: وترتيب بين الاسم والخبر، يعني: ألا يتقدم خبرها على اسمها، بل ولا عليها أيضاً، لا بد أن يقع الاسم ثم الخبر، فلو قلت: ما قائماً زيد، فالحكم خطأ، يجب أن أقول: ما قائم زيد.
وإذا قلت: ما عندك زيد، فهذا صحيح، لكن (ما) هنا ملغاة؛ لأن ابن مالك يقول: لا بد من الترتيب، فإذا قلت: ما عندك زيد، فقد قدمت الخبر فتقول: (زيد) مبتدأ مؤخر، ولا تقل: (زيد) اسم ما؛ لأن الترتيب اختلف.