[حكم الترتيب بين اسم إن وخبرها]
انتقل المؤلف إلى الترتيب بين اسم إن وخبرها، وقد عرفنا أنه لا يجب الترتيب بين اسم كان وخبرها، قال الله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:٩٦]، وقال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧]، لكن إنَّ وأخواتها يجب أن يتقدم الاسم ويتأخر الخبر، ولهذا قال: [وراع ذا الترتيب إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي] راع: فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب، وهو مبني على حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها، والأصل (راعي).
ذا الترتيب: ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب، والترتيب: بدل من ذا.
قوله: (إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي).
ذكر مثالين: الأول: ليت فيها غير البذي، فقدم الخبر على الاسم؛ لأن الخبر جار ومجرور.
والثاني: ليت هنا غير البذي، فقدم الخبر على الاسم؛ لأنه ظرف.
إذاً: يجب في إن وأخواتها أن يتقدم الاسم على الخبر؛ إلا إذا كان الخبر ظرفاً أو جاراً ومجروراًَ فإنه يجوز أن يتقدم.
فإن قال قائل: ما الفرق بين كان وإن؟ قلنا: لأن كان فعل، فهي أقوى في العمل من إن وأخواتها، وعمل الأفعال أقوى من عمل الحروف بلا شك، ولهذا إذا أُبعد اسم (إنَّ) عنها بطل عملها، فوجب أن يليها من أجل أن تقوى على العمل، بخلاف كان وأخواتها فإنها أفعال، والأفعال هي الأصل في الأعمال؛ فلهذا قويت على أن تعمل في اسمها ولو كان مؤخراً عنها.
لكن الظرف والجار والمجرور أمره سهل وهو مرن، فاجعله في الأول أو في الآخر، كل ذلك جائز، فإذا كان الخبر ظرفاً أو جار ومجروراً فإنه يجوز أن يتقدم ولا يجب، فلك أن تقول: إن زيداً عندك، ولك أن تقول: إن عندك زيداً، وفي قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} [آل عمران:١٣] قدم الخبر لأنه جار ومجرور، وقوله: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا} [المزمل:١٢] قدم الخبر لأنه ظرف.
إذاً: يجب الترتيب بين اسم إن وخبرها؛ لقول ابن مالك: وراع ذا الترتيب، إلا إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً فإنه يجوز تقديمه.
وهل يجوز أن يتقدم الخبر على الأداة؟ لا يجوز، ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، فلا يجوز: فيها إن زيداً، ولا: هنا إن زيداً؛ وذلك لأن العمل في الحروف ضعيف، فهي لا تقوى على أن تعمل فيما تقدمها.
يقول الشاعر: كأني من أخبار إنَّ ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما وهذا قد يكون متشائماً وقد يكون متواضعاً، حسب القرائن؛ لأنه ربما يكون في مجلس من المجالس فيقال له: تقدم يا فلان في صدر المجلس، فيقول: لا أتقدم: كأني من أخبار إنَّ ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما فهذا يكون متواضعاً، وقد يكون متشائماً، وهذا هو الظاهر، لكن الظاهر تغيره بحسب القرائن، لكن هل هذا البيت على إطلاقه في قوله: (ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما)؟ نقول: يستثنى الظرف والجار والمجرور.
والمؤلف رحمه الله أتى بالمثال مستغنياً به عن الحكم، وهذا يعد من الاختصار، وهو من قدرة الرجل، فيأتي بالمثال ليؤخذ منه الحكم، لكن أكمل منه أن يؤتى بالحكم ثم يعقب بالمثال.