[حكم مجيء الحال من المضاف إليه]
قال المؤلف رحمه الله: [ولا تجز حالاً من المضاف له إلا إذا اقتضى المضاف عمله] قوله: (لا تجز) نهي، فلا نقول النهي يقتضي التحريم، بل نقول: الأصل المنع.
(ولا تجز حالاً من المضاف له): إذا قلت: كتاب زيد، فالمضاف إليه هو الثاني، أي: (كتاب) مضاف، و (زيد) مضاف إليه، إذاً: المضاف له هو الاسم الثاني من المتضايفين.
يقول: إنه لا يجوز وقوع الحال من المضاف إليه؛ لأن الأصل وقوعها من المضاف إذ إنه المتحدث به، فتقول مثلاً: جاء عبد الله راكباً.
فـ (راكباً) حال من عبد، ولا تقول: حال من الله، حتى لو فرض أنه تجوز الصفة لله مثل: جاء عبد الله سميعاً، فالله سميع والعبد أيضاً سميع: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:٢].
إذاً نقول: سميعاً: حال من عبد.
فإذا جاءنا حال بعد المضاف والمضاف إليه، فهي لا تخلو إما أن تصلح لهما أو لأحدهما، فإن صلحت لأحدهما دون الثاني فهي له، وإن صلحت لهما جميعاً فهي للأول.
فتقول مثلاً: جاء غلام هندٍ راكباً.
فيتعين أن الحال من الأول؛ لأن (راكباً) مذكر، و (هند) مؤنث.
وتقول: ضرب غلام هندٍ راكبةً بعيرها.
بعير: مفعول ضرب، وراكبة: حال من هند، لأنها مؤنثة.
يقول المؤلف: (إلا إذا اقتضى المضاف عمله)، أي: لا يجوز أن تأتي الحال من المضاف إليه إلا إذا اقتضى المضاف -وهو الجزء الأول- عمله، أي: عمل الحال.
ومعنى (اقتضى عمله) أي: صح أن يكون عاملاً في الحال، بأن يكون وصفاً مشتقاً، مثل اسم الفاعل، تقول: هذا ضارب زيدٍ راكباً، فيجوز أن تكون (راكباً) حالاً لزيد، لأن المضاف وهو ضارب يصح أن يكون عاملاً، وما صح أن يكون عاملاً صح أن يكون عاملاً فيما يليه، فهو عامل فيما يليه الجر، وفي الحال النصب.
ومنه: هذا آكل الطعام نيئاً، وهذا آكل اللحم مشوياً.
هذه الحال الأولى.
الحال الثانية: (أو كان جزء ما له أضيفا)، يعني أن يكون بعضاً مما أضيف إليه، مثاله: قطعت يد السارق جانياً، فالسارق مضاف إليه، لكن صح مجيء الحال منه لأن اليد بعض منه.
الحال الثالثة: (أو مثل جزئه فلا تحيفا).
أي: مثل جزء المضاف إليه وليس هو جزءاً منه، فإذا كان مثل جزئه في تعلقه به بحيث لو حذف استغني عنه جاز إتيان الحال منه، أي من المضاف إليه، مثل قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل:١٢٣]، حنيفاً: حال من إبراهيم (المضاف إليه)؛ لأن ملة ليست جزءاً من إبراهيم، لكنها شبه جزئه؛ لأنك لو حذفت (ملة) وقلت: أن اتبع إبراهيم، لجاز ذلك واستقام المعنى، قال الله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [آل عمران:٦٨] وما قال: اتبعوا ملته.
خلاصة البيتين: القاعدة الأولى: يمتنع أن تأتي الحال من المضاف إليه إلا في ثلاث حالات، هي: الأولى: أن يكون المضاف صالحاً للعمل في الحال.
الثانية: أن يكون المضاف بعضاً من المضاف إليه.
الثالثة: أن يكون المضاف شبه بعضه؛ وذلك بأن يستغنى عن ذكره إذا حذف ويتم الكلام بدونه.
بل ذهب سيبويه رحمه الله إلى أنه يجوز مجيء الحال من المضاف إليه مطلقاً متى صح الكلام، وهذا القول هو الراجح بناء على القاعدة المعروفة عندنا، وهي أننا نأخذ بالأسهل في باب النحو؛ لأنه لا دليل على النهي إذا جاءت الحال من المضاف إليه في هذه الأحوال الثلاثة، فما الذي يمنعها في غيرها؟