[تقديم العطف على المعية والعكس]
قال المؤلف رحمه الله: [والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق والنصب مختار لدى ضعف النسق] ونحن عندنا شيئان أحدهما أرجح من الآخر، وهما: هل الأولى في الواو إذا جاءت بين شيئين أن نجعلها للمعية فينصب ما بعدها، أو الأولى أن نجعلها عاطفة فيكون ما بعدها تابعاً لما قبلها؟ يقول المؤلف: إن العطف إذا لم يكن فيه ضعف أحق من أن تكون الواو للمعية.
مثال ذلك: قام زيدٌ وعمروٌ، هنا الواو حالت بين زيد وعمرو، فهل تجعلها عاطفة أو تقول: قام زيدٌ وعمراً، وتجعل الواو للمعية؟ الأولى العطف؛ لأنه الأصل، فما دام غير ضعيف فهو الأولى فنقول: قام زيدٌ وعمروٌ، ولنا أن نقول: قام زيدٌ وعمراً، ونقول: قام: فعل ماض.
زيدٌ: فاعل.
والواو للمعية.
وعمراً: منصوب على المعية.
ولو قال قائل: قام زيداً وعمروٌ.
لم يصح؛ لأن الفاعل لابد أن يكون مرفوعاً، فنقول: قام زيدٌ، أما عمرو فيجوز فيه وجهان، لكن العطف أولى.
المسألة الثانية: ترجيح النصب: قال المؤلف: (والنصب مختار لدى ضعف النسق).
يعني: إذا ضعف العطف رجحنا النصب، مثال ذلك: إذا عطفت على ضمير متصل فإن الأولى النصب تقول: جئت وزيداً.
جئت: فعل وفاعل.
الواو للمعية.
زيداً: منصوب على المعية.
ويجوز: جئت وزيدٌ؛ لكنه ضعيف، بل إن بعض العلماء من النحويين منع هذا، ومنهم ابن مالك بقوله: (وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما) وكذلك أيضاً إذا قلت: مررت بك وزيداً، ويجوز: مررت بك وزيدٍ.
والنصب أفصح؛ لأن العطف على المتصل ضعيف أو ممنوع عند بعض العلماء.
فإذا قلت: جئت أنا وزيد، جئت أنا وزيداً، فالأولى العطف؛ لأن العطف هنا يمكن بلا رابط.
نأخذ من هذا أنه إذا جاءت الواو بين شيئين فالعطف أولى من المعية إذا لم يكن ضعيفاً، وإذا جاء بين شيئين وكان العطف ضعيفاً فالنصب على المعية أولى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والنصب إن لم يجز العطف يجب) هذه قاعدة معناها أنه إذا كان العطف لا يجوز فإنه يجب النصب على المعية، أو على إضمار فعل، ولهذا قال: (أو اعتقد إضمار عامل تصب).
المهم: إذا لم يجز العطف يجب النصب إما على المعية أو على إضمار الفعل.
مثال الأول: استوى الماء والخشبةَ، ولا يجوز: والخشبةُ؛ لأنه يختلف المعنى، فإذا عطفت فالمعنى: استوى الماء واستوت الخشبةُ، وهذا ليس له معنى، لكن إذا نصبت فالمعنى: استوى الماء مع الخشبة، أي: صار بحذائها، فهنا نقول: الواو هنا للمعية ويجب النصب على المعية.
وتقول: استوى الغني والفقيرُ فترفع الفقير على العطف.
قوله: (أو اعتقد إضمار عامل تصب).
قال الشاعر: علفتها تبناً وماء بارداً.
تبناً: مفعول ثان لعلفتها، والمفعول الأول الضمير، والواو حرف عطف.
ماء: مفعول به لفعل محذوف تقديره: وسقيتها ماء بارداً، وهذا الفعل المحذوف معطوف على جملة (علفتها) ولو قلنا: الواو حرف عطف وماء معطوفة على تبناً لم يصح لأن الماء لا يعلف.
فإذا قلت: أطعمته خبزاً وحليباً.
جاز ذلك على العطف دون إضمار فعل، لقول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة:٢٤٩].
وإذا قلت: سقيته حليباً وخبزاً، فالتركيب سليم، لكن عند الإعراب نقول: سقيته: فعل وفاعل ومفعول أول.
حليباً: مفعول ثان.
وخبزاً: الواو حرف عطف، خبزاً: مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: وأطعمته خبزاً.
فالحاصل أن المفعول معه تجري فيه الأحكام الخمسة: ترجح النصب، وضعفه، وترجح العطف، وضعفه، وتعين النصب، والله أعلم.