[تكرار إلا لغير التوكيد في الاستثناء غير المفرغ]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ودون تفريغ مع التقدم نصب الجميع احكم به والتزم وانصب لتأخير وجئ بواحد منها كما لو كان دون زائد كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي وحكمها في القصد حكم الأول يعني: إذا لم يفرغ العامل لما بعد إلا فلا يخلو: إما أن تتقدم المستثنيات على المستثنى أو تتأخر؛ فإن تقدمت المستثنيات وجب النصب في الجميع؛ فتقول مثلاً: (ما قام إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً القوم).
فقوله: إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً، مستثنى من القوم؛ لكن تقدمت المستثنيات على المستثنى منه فوجب نصب الجميع، وهذا مأخوذ من البيت الأول.
قوله: (نصب الجميع احكم به) هذا من باب الاشتغال فكلمة (نصب) مفعول به لفعل محذوف دل عليه ما بعده؛ لأن (احكم) اشتغل بالضمير (به)، يعني: الزم نصب الجميع واحكم به.
والتزم: أي هذا الحكم في كل ما يأتيك من كلام العرب.
أما إذا تأخرت المستثنيات عن المستثنى منه، فالحكم فيها ما ذكره بقوله: (وانصب لتأخير وجئ بواحد منها كما لو كان دون زائد) أي: إذا تأخرت المستثنيات عن المستثنى منه وليس في الكلام تفريغ فانصب المستثنيات إلا واحداً منها، فاحكم فيه كما لو لم تزد المستثنيات على واحد، وقد علمنا فيما سبق أنه إذا كان الكلام تاماً منفياً جاز في المستثنى وجهان، وهما: الإتباع، والنصب على الاستثناء، والأحسن الإتباع، إلا فيما إذا كان المستثنى منقطعاً فإنه يجب النصب، ويجوز فيه الإتباع عند بني تميم كما قال: (وعن تميم فيه إبدال وقع).
إذاً: ما الفرق بين ما إذا تقدمت المستثنيات وما إذا تأخرت؟
و
الجواب
الفرق بينهما أنه إذا تقدمت وجب النصب للجميع في كل حال، وإذا تأخرت ينصب الجميع إلا واحداً فإنه يعامل كما لو لم يكن معه غيره.
ومثال التأخر: (ما قام القوم إلا زيدٌ إلا عمراً إلا خالداً).
ويجوز: (ما قام القوم إلا زيداً إلا عمراً إلا خالداً)، وهو أحسن لأنه إبدال.
وإذا قلت: (ما قام القوم إلا حمارٌ إلا بكراً إلا خالداً) فهو خطأ على لغة الحجازيين، لأن الاستثناء منقطع فيجب النصب عندهم، ويجوز عند بعض بني تميم، مع أن الأرجح عند بني تميم النصب، وعلى هذا فنقول: (ما قام القوم إلا حماراً إلا بكراً إلا خالداً) قال المؤلف في مثاله: (كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي).
وكان عليه أن يقول: إلا علياً، لكن منعه الوزن الشعري، وذلك لأنه لا يعامل كما لو لم يكن معه غيره إلا واحد فقط، وهو الآن قال: إلا امرؤ، فلو قال: (كلم يفوا إلا امرأً إلا عليٌ) بنصب (امرؤ) لصح الكلام دون تكسير في البيت الشعري، فلما لم ينصبه فهمنا أن الأولى أن يكون الأول هو الذي يعامل معاملة المنفرد فيعرب على التبعية.
فيجوز أن أقول: (ما قام القوم إلا زيداً إلا بكرٌ إلا خالداً)، لكن الأولى أن أقول: (ما قام القوم إلا بكرٌ إلا زيداً إلا عمراً).
هذه المستثنيات إذا تكررت اختلفت في الإعراب؛ لكن هل تختلف في المعنى؟ قال المؤلف: (وحكمها في القصد حكم الأول).
يعني: أن الاستثناء منسحب على الجميع في المعنى، وإن كنت في الإعراب تجعل واحداً منها مخالفاً لها؛ فأنت إذا قلت: (ما قام القوم إلا زيد إلا بكراً إلا عمراً)، فالمعنى أن هؤلاء الثلاثة كلهم قاموا.
فهذا معنى قوله: (وحكمها في القصد حكم الأول).