[نعت اسم لا النافية للجنس]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومفرداً نعتاً لمبني يلي فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل] قوله: (مفرداً): مفعول مقدم لقوله فافتح.
نعتاً: صفة لمفرد.
لمبني: جار ومجرور متعلق بيلي.
فافتح: الفاء زائدة لتحسين اللفظ، وأصل الكلام: (ومفرداً نعتاً لمبني يلي افتح).
افتح: فعل أمر، ومعناه: ابنه على الفتح، وقد سبق أن الأولى أن يقال: (يبنى على ما ينصب به).
أو انصبن: أو: للتخيير، انصبن: معطوف على افتح.
أو ارفع: أو: أيضاً للتخيير، ارفع: معطوف على افتح.
تعدل: فعل مضارع مجزوم على أنه جواب لفعل الأمر وهو قوله: (افتح) وما عطف عليه.
وقد اختلف المعربون في مثل هذا التركيب: هل يكون هذا مجزوماً على أنه جواب الأمر، أو مجزوماً على أنه جواب لشرط محذوف والتقدير: إن تفعل تعدل؟ ولدينا قاعدة مهمة وهي: أنه إذا دار الكلام بين الحذف وعدمه فالأصل عدم الحذف، إذاً نقول: الأولى أن نقول: إنها جواب للأمر في قوله: (افتح) وما عطف عليه.
ومعنى البيت: إذا ولي المبني نعت مفرد جاز لك فيه ثلاثة أوجه: الفتح والنصب والرفع.
مثاله: لا رجل ظريف في البيت.
رجل: مبني.
وظريف: نعت مفرد وقد ولي المنعوت ولم يفصل بينهما بفاصل، إذاً: انطبق على كلام المؤلف: النعت مفرد، والمنعوت مبني، ولا فاصل بين النعت والمنعوت، وحينئذ يجوز لك في النعت ثلاثة أوجه: فتقول: لا رجلَ ظريفَ في البيت، ولا رجلَ ظريفاً في البيت، ولا رجلَ ظريفٌ في البيت.
أما الفتح: لا رجلَ ظريفَ في البيت، فوجهه: أنه مركب مع اسم لا كما ركب اسمها معها.
وأما وجه النصب: لا رجلَ ظريفاً: فلأنه تابع لمحل اسم لا، لأننا نقول في إعراب (لا رجلَ): رجل مبني على الفتح في محل نصب، فهو نعت تبع اسم (لا) في محله.
وأما الرفع: لا رجلَ ظريفٌ؛ فهو نعت روعي به محل (لا) واسمها؛ لأن محلهما الرفع.
ونحن عندما نتكلم عن هذه الأوجه في هذه المسألة وفيما قبلها نتبع النحويين في ذلك، والشواهد على هذه التفصيلات قليلة في اللغة العربية، لكن يقولون: إذا تعذر النقل جاز القياس، وجاز الاجتهاد، وإلا لو تدبرت كلام العرب لوجدت الشواهد على هذا قليلة جداً، لكنهم يقيسون على قواعد أصلوها.
والخلاصة: إذا نعت اسم (لا) جاز في النعت ثلاثة أوجه بشرط أن يكون المنعوت مبنياً، والنعت مفرداً، وألا يفصل بينه وبين المنعوت بفاصل، وإذا اختل شرط من هذه الشروط فيقول ابن مالك: [وغير ما يلي وغير المفرد لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد] غير: مفعول مقدم لـ (تبن) في قوله: (لا تبن)، وهو مضاف إلى (ما) الموصولة.
يلي: فعل مضارع وهو صلة الموصول، والفاعل ضمير مستتر، والعائد محذوف والتقدير ما يليه.
وغير المفرد، غير: معطوف على (غير) الأولى، وهو مضاف إلى المفرد.
لا: ناهية.
تبن: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت.
وانصبه: الواو حرف عطف، انصب: فعل أمر، والهاء: ضمير مفعول به، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت.
أو الرفع اقصد: أو: للتنويع، الرفع: مفعول مقدم لقوله (اقصد).
اقصد: فعل أمر مبني على السكون، وحرك بالكسر من أجل الروي.
قوله: (غير ما يلي) أي: إذا فصل بين النعت والمنعوت بفاصل فإنه يمتنع البناء، ويبقى النصب والرفع، ولماذا يمتنع البناء؟ لأن البناء من أجل التركيب مع (لا) واسمها، وإذا فصل بينهما الفاصل تعذر التركيب، مثل أن تقول: لا رجلَ في البيت ظريف، فظريف هنا نعت لرجل، وهو مفرد، والمنعوت مبني، فهذان شرطان، ولم يبق إلا شرط واحد وهو: عدم الفصل بينهما، وهذا الشرط مفقود؛ فيمتنع البناء لأنه وجد الفصل، فماذا يجوز في النعت؟ يقول: (لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد) أي: أنه يجوز النصب والرفع، فأقول: لا رجلَ في البيت ظريفٌ، ولا رجلَ في البيت ظريفاً.
كذلك لا رجلَ حامل كتاب حاضر، يجوز في (حامل) الرفع والنصب، ولا يجوز البناء؛ لأنه ليس بمفرد، إذ هو مضاف، ولهذا قال: (وغير المفرد لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد).
مثال آخر: لا رجلَ طالع جبلاً حاضر، يجوز في (طالع) الرفع والنصب.
أما: لا رجلَ طالعَ جبلٍ حاضرٌ، فليس فيه إلا وجه واحد وهو النصب؛ لأنه مضاف فهو منصوب، لكن لو قلت: لا رجلَ طالعَ جبلاً حاضر، فهذا لا يصح، أما: لا رجلَ طالعَ جبلٍ، فهذا صحيح؛ لأنه منصوب وليس مبنياً؛ لأنه لا يمكن أن يبنى وهو مضاف، فهذا داخل تحت قوله: (وغير المفردلا تبن).
إذاً: لا رجل طالعَ جبلٍ حاضرٌ، العبارة صحيحة.
و: لا رجلَ طالعاً جبلاً حاضرٌ، صحيحة.
و: لا رجلَ طالعَ جبلاً حاضرٌ، غير صحيحة؛ لأن النعت هنا لا يبنى؛ لأنه غير مفرد.