للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم إقامة غير المفعول الأول مقام الفاعل]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [في باب ظن وأرى المنع اشتهر ولا أرى منعاً إذا القصد ظهر] قوله: (في باب ظن) أي: في باب ظن الذي ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، بخلاف كسا التي تنصب مفعولين فليس أصلهما المبتدأ والخبر.

وقوله: (وأرى) ليست هنا فعلاً مضارعاً، بل هي فعل ماض، والمراد بها: أرى التي تنصب ثلاثة مفاعيل، نحو: أريت زيداً عمراً قائماً، هذا مراد ابن مالك.

قوله: (ولا أرى منعاً إذا القصد ظهر)، نسب إلى نفسه أنه إذا كان القصد ظاهراً فلا مانع من أن ينوب الثاني عن الفاعل مع نصب الأول.

وبالنسبة لـ (أرى) ليس الذي ينوب الثاني عن الأول، بل الثالث عن الثاني، لأن الثاني والثالث هما اللذان أصلهما المبتدأ والخبر.

تقول: أُعلِمَ زيدٌ عمراً قائماً، فنائب الفاعل هو (زيد)، والنحويون منعوا من أن يكون نائب الفاعل هو الثاني أو الثالث، وابن مالك يقول: لا أرى منعاً إذا القصد ظهر، مثل أن يقال: أُعلِمَ زيداً فرسُك مسرجاً، فهنا أقيم الثاني، وتقول: أُعلِمَ زيداً فرسَك مسرجٌ، وهنا أقيم الثالث، لكن الظاهر أن الصواب مع الذين منعوه؛ لأنه يتغير المعنى، وقول المؤلف: (إذا القصد ظهر)، قد يكون تصويره صعباً.

يقول ابن عقيل رحمه الله: [يعني أنه إذا كان الفعل متعدياً إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل كظن وأخواتها، أو كان متعدياً إلى ثلاثة مفاعيل كأرى وأخواتها، فالأشهر عند النحويين أنه يجب إقامة الأول ويمتنع إقامة الثاني في باب ظن، والثاني والثالث في باب أَعلم، فتقول: ظُن زيدٌ قائماً، ولا يجوز: ظُن زيداً قائمٌ، وتقول: أُعلمَ زيدٌ فرسَك مسرجاً، ولا يجوز إقامة الثاني، فلا تقول: أُعلمَ زيداً فرسُك مسرجاً، ولا إقامة الثالث فتقول: أُعلمَ زيداً فرسَك مسرجٌ.

ونقل ابن أبي الربيع الاتفاق على منع إقامة الثاني، ونقل الاتفاق أيضاً ابن المصنف.

وذهب قوم منهم المصنف إلى أنه لا يتعين إقامة الأول لا في باب ظن ولا باب أعلم، لكن اشترطوا ألا يحصل لبس، فتقول: ظُن زيداً قائمٌ، وأُعلمَ زيداً فرسُك مسرجاً.

وأما إقامة الثالث من باب أعلم فنقل ابن أبي الربيع وابن المصنف الاتفاق على منعه، وليس كما زعما، فقد نقل غيرهما الخلاف في ذلك، فتقول: أُعلمَ زيداً فرسَك مسرجٌ.

فلو حصل لبس تعين إقامة الأول في باب ظن وأعلم، فلا تقول: ظُنّ زيداً عمرو، على أن (عمرو) هو المفعول الأول، ولا أُعلمَ زيداً خالدٌ منطلقاً].

وذلك أنك إذا قلت: ظُنَّ زيداً عمرو، كان عمرو هو الذي ظُنَّ أنه زيد، وأنت تريد أن زيداً هو الذي ظُنَّ أنه عمرو، فنقول: إذا كنت تريد هذا فقل: ظُن زيدٌ عمراً، ولا يجوز أن تقول: ظُن زيداً عمرو.

أما ظُن زيدٌ منطلقاً، فيجوز أن تقول: ظُن زيداً منطلقٌ، هذا على كلام ابن مالك رحمه الله، لكن كلام الجمهور أَسَدٌّ؛ لأنك إذا قلت: ظُن عمراً منطلقٌ، يكون الكلام ركيك جداً؛ لأنك لو حولته فقلت: ظُن منطلقٌ عمراً، سيكون الكلام ركيكاً، فالظاهر أن ما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح، أنه لا يجوز في باب ظن وأرى أن يتحول العمل إلى الثاني في باب ظن، أو الثالث والثاني في باب أرى، بل يتعين أن يكون الأول هو نائب الفاعل، بخلاف كسا وأعطى، فالأمر فيه سعة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما سوى النائب مما علقا بالرافع النصب له محققا] ما: مبتدأ، وقوله: (النصب): مبتدأ ثان، وله: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.

والمعنى: ما سوى النائب عن الفاعل مما تعلق بالفعل فإنه منصوب على كل حال، فتقول: ظُن زيدٌ منطلقاً، وأُرِيَ زيدٌ عمراً قائماً.