للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محترزات تعريف الجمع المذكر السالم]

وقول المؤلف رحمه الله تعالى: [وارفع بواو وبيا اجرر وانصب سالم جمع عامر ومذنب] هذا مستثنى مما يرفع بالضمة وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة، وهو باب جمع المذكر السالم.

فقولنا: جمع المذكر؛ احترازاً من جمع المؤنث.

وقولنا: السالم؛ أي: الذي سلم فيه بناء المفرد فلم يتغير، وخرج به الجمع الذي يتغير به المفرد، فهذا لا يرفع بالواو ولا ينصب بالياء ولا يجر بالياء، مثال ذلك: الأعراب، الرجال، الأقوام، هذه لا ترفع بالواو ولا تنصب وتجر بالياء، لأنها ليست جمع مذكر سالماً، والمؤلف يقول: (سالم جمع عامر ومذنب).

وكلمة (عامر) يشير بها إلى العلم، و (مذنب) يشير بها إلى الصفة، لأن مذنباً وصف، وعامراً علم، أي: اسم رجل، ولا يريد المؤلف بكلمة (عامر) اسم الفاعل الذي عمر البيت مثلاً، إنما يريد أنها علم لرجل، مثل: عقبة بن عامر، أبوه اسمه عامر، وليس معناه أن أباه عَمَر بيوتاً، فأشار بهذين المثالين إلى العلم وإلى الصفة.

فنستفيد إذاً أن جمع المذكر السالم لا يكون إلا علماً أو صفة، فإن كان غير علم ولا صفة فإنه يكون ملحقاً بجمع المذكر السالم في إعطائه حكمه إعراباً، وإن لم يكن منه حقيقة.

وجمع المذكر السالم هو الذي سلم فيه بناء مفرده، مثل (رجال) جمع مذكر، ولكن ليس بسالم، لأن رجالاً جمع رجل، فانظر كيف تغير رجل، كان (رَجُل) مفتوح الراء مضموم الجيم، فلما جُمع صار مكسور الراء مفتوح الجيم، وزيد فيه ألف: (رِجَال).

أما جمع المذكر السالم فلا يتغير المفرد فيه، فمثلاً (عامر) تقول فيه: عامرون، و (مذنب) جمعه: مذنبون، فالآن لم يتغير المفرد إطلاقاً، غاية ما فيه أنه لحقته العلامة وهي الواو والنون فقط.

ولهذا نقول: سنة جمعها سنون، وليس جمع مذكر سالماً؛ لأنه تغير المفرد، لكنها ملحقة بجمع المذكر السالم.

أرض نقول في جمعها: أرضون، ولا تكون جمعاً مذكراً سالماً، لأن المفرد تغير، إذاً هي ملحقة بجمع المذكر السالم، أي: تعرب إعرابه وإن لم تكن منه.

نرجع مرة ثانية إلى بحثنا في (عامر ومذنب) وجدنا أن عامراً علم ومذنباً صفة، إذاً لا يمكن أن يكون جمع المذكر السالم إلا علماً أو صفة.

عامر: علم لمذكر وليس علماً لأنثى، وهو عاقل، وليس كلاحق اسم فرس، وما أشبه ذلك.

وهو خال من التاء، فما قيل: عامرة.

وخال من التركيب.

والتركيب إما تركيب مزجي أو تركيب إضافي أو تركيب إسنادي، المهم أنه خال من التركيب.

فهو علم لمذكر عاقل خال من التاء ومن التركيب، فالشروط خمسة.

فإن لم يكن علماً، كثوب مثلاً، فلا يمكن أن يكون جمع مذكر سالماً، لأنه ليس علماً، لكن لو سميت ابني (ثوب)، لجمع جمع مذكر سالماً؛ لأنه علم لمذكر، أما ثوب بمعنى ما يلبس فهذا لا يجمع جمع مذكر سالماً.

وقولنا: (علماً لمذكر)، فإن كان علماً لأنثى، فإنه لا يجمع جمع مذكر سالماً، مثل: سعاد، لا نقول في جمعها: سعادون، لأنها علم على أنثى.

وقولنا: (عاقل) إذا كان علماً لمذكر غير عاقل، مثل: لاحق اسم فرس، وواشق اسم جمل، فإنه لا يجمع جمع مذكراً سالماً؛ لأنه علم لغير العاقل.

وقولنا: (خال من التاء): خرج به مثل (طلحة) فهو علم لمذكر عاقل، لكن فيه تاء التأنيث، فلا نقول في الجمع: طلحون؛ ولكن الصحيح في هذا أنه يجمع جمعاً مذكراً سالماً؛ لأن التاء فيه بنية الانفصال، فهي زائدة، وعلى هذا لو كان عندنا ثلاثة رجال اسم كل واحد طلحة، نقول: جاء طلحون، ولا بأس بذلك، لأن التاء في نية الانفصال لكونها زائدة.

قتادة: لا تجمع جمعاً مذكراً سالماً على حسب الشروط التي ذكرنا، لكن على الراجح أنها تجمع، فنقول: قتادون، إذا كان عندنا ثلاثة رجال يسمون بهذا الاسم.

وقولنا: (خال من التركيب) خرج به ما كان مركباً تركيباً مزجياً، والتركيب المزجي: ضم كلمتين بعضهما إلى بعض لا على سبيل الإضافة، مثل: بعلبك، لو سميت ولدك: بعلبك، وكان زميلك سمى ولده بعلبك، وزميلك الثاني سمى ولده بعلبك، وجاء البعالبك، فلا تقول: جاء بعلبكون! لأنه مركب تركيباً مزجياً، لكن تأتي بـ (ذوو) بمعنى: أصحاب، فتقول: جاء ذوو بعلبك، أي: أصحاب هذا الاسم، والمسألة سهلة، بدل ما تقول: جاء بعلبكون، تقول: جاء ذوو بعلبك.

ولكن ذهب بعض علماء النحو إلى جواز جمع المركب تركيباً مزجياً جمعاً مذكراً سالماً، وعلى هذا فتقول للثلاثة: جاء بعلبكون، وهذا بناء على القاعدة السائرة السائدة الشامخة: أنه إذا اختلف النحويون في مسألة على قولين أخذنا بالأسهل، فنقول على القول الراجح: جاء بعلبكون، ولا مانع.

بقينا بالتركيب الإضافي، كيف نجمعه؟ إذا سميت ابني عبد الله، والثاني سمى ابنه عبد الله، والثالث سمى ابنه عبد الله، فجاء العبادلة الثلاثة، ماذا نقول؟ إن قلت: عبد اللهون، وقعت في مشكلة، حيث جمعت المضاف إليه، وهو سبحانه وتعالى واحد، فهذا مانع شرعي.

وإن قلت: عبدو الله بالواو على أنهم جمع، فكأنك أضفت جميع هؤلاء إلى واحد، فلا يعلم المخاطب أنهم جماعة، قد يظن أنه لفظ مجموع على صيغة الجمع وهو لواحد! ولكن الصحيح أنه يصح، وأنه يجمع الجزء الأول منه ويضاف إلى الجزء الثاني، فتقول: جاء عبدو ربهم، أو عبدو الله، كما تقول: عبدا الله، في المثنى ومنه قول الملغز في التثنية: لقد طاف عبدا الله بالبيتَ سبعة وحج من الناسُ الكرام الأفاضل وهذا بيت غريب حيث رفع (الناس) بعد حرف الجر (من) ونصب (البيت) بعد حرف الجر الباء، لكن أصل البيت: لقد طاف عبد الله بي البيتَ سبعة وحج منى الناسُ الكرام الأفاضل فالبيت مفعول طاف، والباء جارة لضمير متصل بها محذوف، أي: بي أنا، و (من الناس) أصلها (حج منى الناس) فالناس فاعل حج والمفعول (منى) تدغم ألفها عند النطق لسكونها والتقائها بساكن صحيح بعدها.

والحاصل: إنه يجوز أن يجمع صدر المركب تركيباً إضافياً ويضاف إلى عجزه.

التركيب الثالث: التركيب الإسنادي، وهو تركيب جملة، وهو المشكل، فإن جمعه صعب، هناك رجل يسمى شاب قرناها، مثلما تسمي خالداً وعمراً، فإذا سميت ولدي شاب قرناها، وسميت أنت ولدك شاب قرناها، وسمى الثالث ولده شاب قرناها، وحضر الثلاثة، فلا بد أن نأتي بذوو، فنقول: جاء ذوو شاب قرناها، أي: أصحاب هذا الاسم، لأنك لا تستطيع أن تجمع جملة فعلية.

وكذلك قد يكون التركيب الإسنادي جملة اسمية، مثل: الشنفرى، الشن: مبتدأ، وفرى: الجملة خبر، فإذا سميت ولدي بالشنفرى، وسميت ولدك كذلك والثالث سمى ولده بذلك، فلا يمكن أن نجمع إلا إذا وصلنا بكلمة: ذوو، فنقول: ذوو الشنفري.

فتبين بهذا أن القول الراجح أن المركب تركيباً مزجياً أو إضافياً يمكن أن يجمع جمع مذكر سالماً، وأما المركب تركيباً إسنادياً فلا.

تم الكلام على جمع المذكر السالم إذا كان جمع علم، وبقي الكلام في الصفة.