[حذف الضمير غير المرفوع من العامل الأول المهمل إذا أعمل الثاني]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا تجئ مع أول قد أهملا بمضمر لغير رفع أوهلا بل حذفه الزم إن يكن غير خبر وأخرنه إن يكن هو الخبر] أي: إذا كان الضمير ليس فاعلاً ولا نائب فاعل فلا تأت به مع الأول إذا أهملته، بل احذفه، إلا أن يكون خبراً، مثال ذلك: أكرمت وضربت زيداً.
العامل (ضربت)، والأول مهمل، فلا يجوز أن تقول: أكرمته وضربت زيداً؛ لأن هذا الضمير ليس أصله المبتدأ والخبر، بل هو ضمير مفعول به فضلة في الكلام، فيجب أن يحذف إذا أعملنا الثاني.
وإن أعملت الأول وقلت: أكرمت وضربت زيداً، وأنت تريد إعمال الأول، فهنا تأتي بالضمير المفعول به، فتقول: أكرمت وضربته زيداً.
مثال آخر: علمت به ومررت بزيد، هذا لا يصح؛ لأنه لا يجوز أن تأتي مع الأول بالضمير إذا أعملت الثاني.
أما لو قلت: علمت ومررت به بزيد فهذا يجوز؛ لأنك إذا أعملت الأول فأضمر في الثاني.
وخلاصة القول: أنه إذا كان الضمير عمدة -وهو الفاعل ونائب الفاعل- فإنه يجب الإتيان به، سواء أعملت الأول أو أعملت الثاني.
ومثاله قول ابن مالك: (كيحسنان ويسيء ابناكا وقد بغى واعتديا عبداكا) وإن كان الضمير فضلة فإن أعملت الثاني فلا تأت به في الأول، وإن أعملت الأول فأت به في الثاني، ولهذا قال: (ولا تجئ مع أول قد أهملا بمضمر) أي: بضمير (لغير رفع أوهلا) إعراب البيت: لا: ناهية.
تجئ: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت.
معْ أول: معْ: ظرف، وهو مضاف، أول: مضاف إليه.
أهمل: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر تقديره هو.
بمضمر: جار ومجرور متعلق بتجئ.
لغير رفع: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمضمر، وغير: مضاف، ورفع: مضاف إليه.
ويجوز أن يكون (لغير رفع) متعلق بأوهل، وتكون جملة (أوهل) صفة لمضمر، والمعنى: لمضمر أوهل لغير رفع.
قال: (بل حذفه الزم إن يكن غير خبر)، أي: الزم حذف الضمير غير المرفوع، إذا أعملت الثاني، ولا يصح أن نأتي به؛ لأنه فضلة.
(وأخرنه إن يكن هو الخبر)، أي: أخر المفعول الذي يطلبه الفعل الأول إذا أعملت الثاني.
مثاله: ظنني وظننت زيداً عالماً إياه، ظن تحتاج إلى مفعولين، وكلاهما عمدة؛ لأن أصل المفعولين في ظن وأخواتها مبتدأ وخبر، والمبتدأ والخبر عمدة، فلا بد من الإتيان بهما جميعاً؛ لأنك لو أعطيت الفعل الثاني المفعولين وتركت الأول فقد حذفت مفعولين هما عمدة، وهذا لا يجوز، وإن أضمرت فلا يجوز أيضاً؛ لأن الضمير لا يمكن أن يأتي في الأول إذا أعمل الثاني، إذاً لم يبق علينا إلا أن نؤخره ولا نجعله ضميراً متصلاً.
المثال يقول: ظنني وظننت زيداً عالماً إياه، والظاهر أن العرب من أولها إلى آخرها لم تنطق بمثل هذا الكلام، لكن النحويين رحمهم الله يفرضون مسائل فرضية كما يفرض الفقهاء أيضاً مسائل فرضية.
(ظننت زيداً عالماً) فعل استوفى مفعولين، بقي معنا (ظنني) فهي تطلب مفعولين أيضاً؛ لأن (ظن) لا بد لها من مفعولين هما المبتدأ والخبر، فالمفعول الأول: الياء في (ظنني)، والمفعول الثاني (إياه).
و (إياه) لا بد أن يأتي بعد، ولهذا قال: (وأخرنه إن يكن هو الخبر)، والياء في (ظنني) هو المبتدأ، و (إياه) هو الخبر، فتقول: ظنني وظننت زيداً عالماً إياه.
الإعراب: ظن: فعل ماض، والنون للوقاية، والياء مفعول أول.
وظننت: الواو: حرف عطف، ظننت: فعل وفاعل، زيداً مفعول أول، عالماً: مفعول ثان لظن الثانية لأننا أعملناها.
إياه: مفعول ثان لظن الأولى، فيؤتى بالضمير.
وقوله: (ظنني إياه) أي: ظنني ذلك العالم، فيكون معنى الجملة: أنني ظننت زيداً عالماً وظنني زيد عالماً، فإياه أي: ذلك العالم، ولم يتقدم مرجع للضمير، لكن أخذ من المعنى.
ولو قيل: ظنني وظننت زيداً عالماً، بدون: (إياه)، فالمعنى: ظنني عالماً وظننته عالماً، وكذلك: ظنني وظنت زيداً قائماً، أي: ظنني قائماً، وأنا ظننت أنه قائم، هذا هو المتبادر.
لكن نقول: لا بد أن يأتي المبتدأ والخبر؛ لأنهما عمدة.
قالوا: ولو قلت: ظنني وظننت زيداً عالماً عالماً، لكان الكلام ركيكاً من جهة.
ومن جهة أخرى: يظن أن عالماً الثانية توكيد لفظي للأولى، لكن إذا قلت: ظنني وظننت زيداً عالماً إياه، زال الإشكال، لكن يبقى: كيف ظنني إياه؟ المتبادر من الضمير ظنني إياه أي: ظنني نفسه.
وهنا تأتي مسألة السفسطة، وهي أن كل واحد من المسفسطين يقول: أنا أنت وأنت أنا، وقد ذكرنا لكم قصتهم، وأنهم إذا أرادوا النوم ربط كل واحد منهم حبلاً برجله يخالف حبل رجل صاحبه لكيلا يغلط إذا أصبح.
وخلاصة القول: إذا أعملنا الثاني فإننا لا نضمر في الأول إلا الضمير الذي هو الفاعل أو نائب الفاعل، أو ضميراً يكون عمدة، ونأتي بالخبر بعد الجملة الثانية وبعد استيفائها مفعوليها، فنقول: ظنني وظننت زيداً عالماً إياه، ولا يصح أن نقول: ظنني إياه وظننت زيداً عالماً، ولهذا قال المؤلف: (بل حذفه الزم إن يكن غير خبر وأخرنه إن يكن هو الخبر) ولو قلت: ضربته وأكرمت زيداً.
فإنه لا يصح؛ لأن الضمير هنا فضلة فيجب حذفه، فأقول: ضربت وأكرمت زيداً.
أما: ضربت وأكرمته زيداً، فإنه صحيح لأنه إذا أعملنا الأول أجزنا أن نعمل الثاني في الضمير.
قال رحمه الله: [وأظهر ان يكن ضمير خبر الغير ما يطابق المفسرا] هذا البيت والذي بعده قرأناه على شيخنا عبد الرحمن بن السعدي عدة مرات وعجزنا عن فهمه وتركيبه، وتمثلنا بقول الشاعر: إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع وكفى بنا أن نعرف معنى البيتين الأوليين، وأما ما ذكره هنا يقول: وأظهر ان يكن ضمير خبرا لغير ما يطابق المفسرا نحو أظن ويظناني أخا زيداً وعمراً أخوين في الرخا فنقول: الحمد لله على رخائه ونعمته أننا لم نكلف بمعرفة هذين البيتين.