[متى يجب تأخير المفعول وتقديم الفاعل]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأخر المفعول إن لبس حذر أو أضمر الفاعل غير منحصر] قوله: (أخر المفعول)، أي: عن الفعل والفاعل، (إن لبس) أي: اشتباه، (حذر) أي: خيف.
فإذا خيف الاشتباه فإنه يجب الترتيب.
والاشتباه يكون فيما إذا كان الفاعل والمفعول به مبنيين؛ لأن المبني لا يتغير، أو كانا معربين إعراباً مقدراً، فإذا قلت: ضرب موسى عيسى، فهنا الفاعل موسى، فلو أردت أن تقول: ضرب عيسى موسى، قلنا: لا يجوز؛ لأنه يلتبس: الفاعل بالمفعول.
أما إذا لم يكن هناك التباس مثل أن تقول: أكل الكمثرى موسى، فإنه يجوز، لعدم الالتباس؛ لأن الكمثرى لا يمكن أن تأكل موسى، وإنما الذي يأكلها هو موسى، فإذا أمن اللبس فلا بأس، أما إذا خيف اللبس فإنه لا يجوز.
فإن قال قائل: لماذا لا يجوز؟ فنقول: لأن المقصود بالألفاظ المعاني، فإذا كانت الألفاظ تخل بإدراك المعنى وجب أن ترتب على وجه لا التباس فيه، وهذا ظاهر.
مثال آخر: إذا قلت: أكرم هذا ذاك، وهما حاضران، فإنه يجب الترتيب، ونعرب (هذا) على أنه فاعل، و (ذاك) على أنه مفعول.
وإذا قلت: تزوج هذا هذه، فإنه يجوز تقديم المفعول؛ لأنك إذا قلت: تزوج هذه هذا؛ علم أن (هذه) مفعول مقدم؛ لأنها لو كانت هي الفاعل لوجب تأنيث الفعل، فتقول: تزوجت هذه هذا.
والخلاصة: أنه إذا خيف اللبس وجب الرجوع إلى الأصل، فإن لم يخف اللبس جاز التقديم والتأخير.
ولو قال قائل: أنا أريد أن أقدم المفعول به على الفعل، فأقول: عيسى ضرب موسى، فنقول: لا يجوز؛ لأنه يحتمل أن عيسى مبتدأ وليس مفعولاً به.
فإن قلت: عيسى ضربه موسى صح، والمفعول به هنا ليس (عيسى) بل المفعول به هو الضمير في (ضرب)، وهذا من باب الاشتغال، وفي باب الاشتغال في مثل هذا الترتيب الأولى أن نعرب الأول مبتدأ؛ لأنه لا داعي إلى نصبه على أنه مفعول.
إذاً: يجب أن نؤخر المفعول في حالين: الأولى: إذا خيف اللبس.
الثانية: قال: (أو أضمر الفاعل غير منحصر).
أي: إذا كان الفعل ضميراً غير محصور فإنه يجب أن يؤخر المفعول، مثل أن تقول: أكرمت زيداً، التاء: فاعل، وزيداً: مفعول به، فهنا لا يجوز أن تقول: أكرم زيداً تُ مثلاً؛ لكن إذا كان محصوراً مثل أن تقول: ما أكرم زيداً إلا أنا، فإنه لا بأس به؛ ولهذا قال: (أو أضمر الفاعل) أي: كان ضميراً (غير منحصر)، فعلم من قوله: (غير منحصر) أنه إذا كان ضميراً منحصراً فلا بأس أن يقدم المفعول ويتأخر الفاعل.