للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحذف النون الخفيفة عند الوقف بعد الضمة والكسرة]

قوله: (وبعد غير فتحة إذا تقف) أي: واحذفها أيضاً بعد غير الفتحة إذا وقفت، ومعلوم أن النون يفتح ما قبلها دائماً، أي: يبنى الفعل معها على الفتح، سواء كانت شديدة أو خفيفة، قال تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:٣٢].

لكن إذا كان الذي قبلها غير مفتوح، وذلك إذا كان مضموماً وإذا كان مكسوراً، مثال المضموم: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران:١٨٦]، فالذي قبلها مضموم، ومثال المكسور: لتفهمِن يا هند، فالذي قبلها مكسور، وأصبح (لتفهميننَّ) كما سبق، فهنا إذا كان الذي قبلها مضموماً، أو مكسوراً ووقفت عليها فإنها تحذف، فتقول مثلاً: يا هند لتفهمِ، يا قوم لتسمعُ، لكن يقول: [واردد إذا حذفتها في الوقف ما من أجلها في الوصل كان عدما] أي: إذا حذفتها فاردد ما كان محذوفاً لأجلها التوكيد عند الوصل، وعلى هذا فإذا وقفنا نرد الياء، ونرد الواو، ونقول: يا هند لتفهمي، ونقول: يا قوم لتسمعوا.

إذا قال قائل: ما يدرينا أن الفعل مؤكد؟ نقول: لأنه إذا جاءت اللام الواقعة في جواب القسم فإنه يجب تأكيده، فإذا لم نجد النون عرفنا أن هناك حذفاً بالتغيير، وأن النون أصلها موجودة بالتأكيد، كذلك لو لم يكن مؤكداً لوجب أن تأتي نون رفع، ولقلنا: يا هندُ لتفهمين، ويا قوم لتسمعون، فلما لم تأت نون الرفع ووجد ما يقتضي التوكيد -وهي اللام الموطئة للقسم- علمنا أن هناك نون توكيد لكنها حذفت، ولما حذفت وجب أن نرد ما حذف من أجلها في الوصل؛ لأن ما حذف من أجل الوصل حذف لوجودها، فإذا زالت رجعت، ولهذا قال: [وأبدلنها بعد فتح ألفا وقفاً كما تقول في قفن قفا].

وتقول: في اضربن: اضربا، الضمير يعود على الألف المبدلة عن نون التوكيد الخفيفة، أما الثقيلة فلا، الثقيلة تقول: اضربنَّ، أو اضربنْ، وأما الخفيفة فتقلب ألفاً.

والخلاصة: أن نون التوكيد تتبع الفعل إما وجوباً، وإما جوازاً بقلة، وإما جوازاً بكثرة، على حسب التفصيل السابق، وقد ذكرنا مثالاً ينبني عليه حكم شرعي، فإذا قلت على مذهب أبي حنيفة: والله أصومُ، وجب عليك الكفارة، مع أنك قد صمت؛ لأنه لا يمكن أن تحذف نون التوكيد مع القسم، فيكون المعنى: والله لا أصوم.

فإذا أردنا أن نصحح الكلام على اللغة العربية صار التقدير: والله لا أصومُ، ولكن سبق لنا أن بعض أهل العلم قال: إن هذا وإن كان مقتضى القواعد العربية لكن الأيمان تحمل على العرف، فالإنسان إذا قال: والله غداً أصوم، فيقتضي معنى كلامه: أنه يصوم، ولا يخطر في باله أن المعنى: لا يصوم.

قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُف} [يوسف:٨٥]، التقدير: والله لا تفتأُ.