[الفصل بين أن المخففة وخبرها]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن يكن فعلاً ولم يكن دعا ولم يكن تصريفه ممتنعا فالأحسن الفصل بقد أو نفيٍ او تنفيسٍ او لو وقيل ذكر لو] قوله: (وإن يكن فعلاً ولم يكن دعا): (وإن يكن) أي: الخبر.
(فعلاً) خبر يكن التي استتر اسمها.
(ولم يكن دعا) أي: لم يكن الفعل دعاء، ولم: حرف جازم.
ويكن: فعل مضارع مجزوم بلم، واسمها مستتر جوازاً تقديره هو.
دعا: خبر يكن، وأصلها مهموز (دعاء)، لكن حذفت الهمزة من أجل الروي.
قوله: (ولم يكن تصريفه ممتنعاً:) يكن: فعل مضارع مجزوم بلم.
تصريفه: اسم يكن.
ممتنعاً: خبرها.
ومعنى البيت: (إن يكن الخبر فعلاً) وفي هذه العبارة تجوز؛ لأن الفعل لا يكون خبراً، وإنما يكون الخبر جملة فعلية، ففي كلامه رحمه الله تجوز وتسامح، ويدل لذلك أنه قال قبل هذا البيت (والخبر اجعل جملة)، ومعلوم أن الفعل نفسه ليس بجملة، ففي العبارة تجوز وتسامح.
وقوله: (إن يكن فعلاً ولم يكن دعا) خرج به ما إذا كان فعلاً ولكنه دعاء.
وقوله: (ولم يكن تصريفه ممتنعا) يريد بذلك أنه لم يكن جامداً.
فعندنا ثلاث محترزات: أن يكون فعلاً.
وأن يكون خبراً لا دعاءً.
وأن يكون متصرفاً لا جامداً.
فإذا كان كذلك قال: فالأحسن الفصل بقد إلخ.
فعلم من كلام المؤلف أنه إذا كان خبر (أنْ) فعلاً دعائياً فإنه لا يجب الفصل بما سيذكره، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [النور:٩] على قراءة (أنْ غضِبَ الله عليها) فهنا (غضِب) جملة دعائية، ولهذا لم يفصل بينها وبين (أنْ) بواحد من الفواصل التالية.
وقوله: (ولم يكن تصريفه ممتنعا) احترازاً مما إذا كان جامداً لا يمكن أن يتصرف، فإنه في هذه الحال لا يجب الفصل بواحد من الفواصل، ومثال ذلك قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:٣٩]، {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف:١٨٥] فهنا (ليس) و (عسى) فعلان جامدان، ولهذا لم يفصل بين (أنْ) وبين هذا الفعل بواحد من الفواصل التالية.
وقوله: (فالأحسن الفصل) الفاء: هذه واقعة في جواب الشرط المصدر بإن (وإن يكن فعلاً فالأحسن) والأحسن: مبتدأ، والفصل: خبر المبتدأ.
ويجوز العكس، أي: يجوز أن يكون (الفصل) مبتدأ مؤخراً، َ و (الأحسن) خبراً مقدماً، ولكن الأحسن أن نجعل (الأحسن) مبتدأ و (الفصل) خبر المبتدأ؛ لئلا نفصل بين المتعلِّق والمتعلَّق بفاصل أجنبي.
بقد: جار ومجرور متعلق بالفصل.
أو نفي: معطوف عليه.
أو تنفيس: كذلك.
أو لو: كذلك.
(وقليل ذكر لو) قليل: خبر مقدم.
ذكر: مبتدأ مؤخر، أي: ذكر (لو) قليل عند العلماء، أي: أنه قل من ذكرها من النحويين، فقوله: (وقليل ذكر لو) أي: أن أكثر النحويين لم يذكروا الفصل بـ (لو)، مع أنه ثابت في القرآن، كقوله تعالى: ((وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ)) [الجن:١٦].
وقوله: (فالأحسن الفصل)، علم من تعبيره بالأحسن أن هذا ليس بواجب، وقيل: بل يجب الفصل، وهذا قول ابن هشام رحمه الله، لأنه لم يرد إلا مفصولاً، وإذا لم يرد إلا مفصولاً كان مقتضاه أن اللغة العربية توجب الفصل، وما شذ فهو نادر.
أمثلة: قوله: (بقد) مثل أن تقول: علمت أنْ قد قام زيد، لو قلت: علمت أنْ قام زيد، فهو عند ابن مالك جائز لكنه خلاف الأحسن.
(أو نفي)، مثل قوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة:٧١] فهنا فصل بلا النافية.
الثالث: قال: (أو تنفيس) يريد بالتنفيس شيئين: السين وسوف، فمثال السين: قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل:٢٠].
ومثال (سوف) قول الشاعر: واعلم فعلم المرء ينفعه أنْ سوف يأتي كل ما قدرا الشاهد فيه قوله: أنْ سوف يأتي.
(أو لو) أي: أو تفصل بلو، كقوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن:١٦] فأن هنا مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، وجملة (لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) خبرها.
إذاً: أفادنا المؤلف رحمه الله أنّ (أنْ) تأتي مخففة، وإذا أتت على هذا الوجه وجب أن يكون اسمها محذوفاً، ويسمى ضمير الشأن، ويكون خبرها جملة.
ثم إن كان جملة اسمية أو فعلية دعائية أو فعلية جامدة لم يجب الفصل، بل ولا يستحسن الفصل بين أنْ وخبرها بشيء من الفواصل.
وإن كان جملة فعلية فعلها متصرف وليست دعائية، فإن الأحسن على رأي ابن مالك أن يفصل بواحد من أمور أربعة: قد، أو النفي، أو التنفيس، أو لو، ويجوز على كلام ابن مالك ألا يفصل، لكنه خلاف الأحسن.
فإذا قيل: علمت أن يأتي زيد من السفر، فإن هذا خلاف الأحسن، والأحسن أن يقال: علمت أن سيأتي، أو: أن سوف يأتي.
ولو قيل: علمت أنْ سافر زيد، فهو صحيح لكنه خلاف الأحسن، والأحسن أن نقول: علمت أن قد سافر وددت أن لو سافر زيد وهكذا.