للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإضافة اللفظية]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن يشابه المضاف يفعل وصفاً فعن تنكيره لا يعزل كرب راجينا عظيم الأمل مروع القلب قليل الحيل] المضاف هو الجزء الأول في باب الإضافة، فإذا كان يشابه الفعل المضارع في العمل -وإن لم يشابهه في الوزن- فإنه لا يستفيد التعريف إذا أضيف لمعرفة، وذلك في اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، ولهذا قال المؤلف: (وصفاً فعن تنكيره لا يعزل).

ومعناه أنه لا يتعرف بالإضافة ولا يتخصص بها بخلاف الأول الذي ما شابه الفعل المضارع فإنه يتعرف أو يتخصص.

وإذا كان عن تنكيره لا يعزل؛ فإنه يصح أن يكون حالاً ويصح أن يكون وصفاً لنكرة، مثاله: قال الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:٩٥].

هدياً: نكرة، وبالغ الكعبة: صفة لهدياً؛ وبالغ: مضاف، والكعبة: مضاف إليه.

والكعبة كلنا يعرف أنها معرفة، وكان مقتضى القاعدة السابقة أن المضاف إلى معرفة يكون معرفة، ولو كان قوله: (بالغ الكعبة) معرفة لما صح أن يكون صفة لهدياً؛ لأن النكرة لا توصف بمعرفة.

فأنت ترى أن (بالغ) اسم فاعل، لأنه على وزن فاعل، وقد أضيف اسم الفاعل إلى الكعبة، وهي معرفة لكنه لم يتعرف.

قوله: (فعن تنكيره لا يُعزلُ) هذا جواب الشرط في قوله: (وإن يشابه)، فالفاء هنا رابطة للجواب، وعن: حرف جر.

وتنكيره: اسم مجرور بعن، وهو مضاف إلى الهاء، وهو متعلق بقوله: (لا يعزل)، يعني: فليبق على ما هو عليه نكرة وإن أضيف إلى معرفة.

مثاله: (كرُب راجينا عظيم الأمل): أتى المؤلف رحمه الله برُب لأن (رُبَّ) لا تدخل إلا على نكرة.

راجي: اسم فاعل مضاف إلى معرفة وهي الضمير، وكان مقتضى القاعدة أن تكون (راجي) معرفة؛ لأنها أضيفت إلى معرفة؛ لكنها الآن نكرة، والدليل على أنها نكرة أنها دخلت عليها رُبَّ.

إذاً: (راجينا) ليست معرفة ولو أضيفت إلى معرفة، لأنها اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، وكل اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال فإنه لا يتعرف بالإضافة.

قوله: (عظيم الأمل) عظيم: صفة مشبهة، وهي صفة لراجينا ومضافة إلى الأمل، والأمل معرفة، وعظيم نكرة، والدليل على أنها نكرة أنها صفة لنكرة، وصفة النكرة نكرة.

قوله: (مُرَوَّع القلبِ)، مُرَوَّع اسم مفعول على وزن: مُفَعَّل، ومُرَوَّع: مضاف.

والقلب مضاف إليه.

والقلب معرفة، ومُرَوَّع نكرة مع أنها مضافة إلى معرفة؛ لأنها اسم مفعول مشابهة للفعل المضارع.

والدليل على أنها نكرة أنها صفة لنكرة وهي (راجينا)، وصفة النكرة نكرة.

وقوله: (قليل الحيلِ) هذه صفة مشبهة، يعني حيله قليلة، والحيل هي: أن يتحيل الإنسان حتى يخرج من المأزق بذكائه.

وقيل: إنها التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، والحيلة نوع من المكر، فإن خالفت الشرع فهي مذمومة.

والمخالف للشرع يكون على نوعين: إما تحيل لإسقاط واجب، أو لفعل محرم.

فرجل باع شيئاً بمائة إلى أجل واشتراه بثمانين نقداً، فهذا تحيل على محرم فلا يجوز.

ورجل آخر أكل بصلاً لئلا يصلي مع الجماعة، فهذا تحيل لإسقاط واجب.

ورجل اشترى شقصاً مشتركاً من آخر ثم وقفه خوفاً من الشفعة، فهذا تحيل على إسقاط واجب من حق الغير فهو محرم.

أما إذا كانت الحيلة مما يتوصل به الإنسان إلى أمر مقصود شرعاً أو أمر مباح فإن هذا لا بأس به، ومنه قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيباً) فهذه حيلة لكنها حيلة مباحة لا توقع الإنسان في محظور.

فقوله: (قليل الحيل) يعني: ليس هذا الراجي لنا صاحب حيل ومكر بحيث يتوصل إلى ما يؤمله ويرجوه بالحيلة والمكر، بل هو مروع القلب يخاف ولا يمكن أن يتحيل أبداً، وهذا محمود.

وهو عظيم الأمل لما يعلم من أننا أهلٌ للرجاء.

أي: رُبَّ راجينا عظيم الأمل، مروع القلب يخاف أن نعثر منه على ما يخدش كرامته، قليل الحيل لا يتحيل علينا بشيء يتوصل به إلى غرضه الذي يريد، بل هو إنسان صريح، فهذا الرجل لا شك أن صفاته جيدة وطيبة.

قال المؤلف: [وذي الإضافة اسمها لفظيه وتلك محضة ومعنويه] ذي: اسم إشارة، أي: هذه الإضافة، وهو يشير إلى الاسم المضاف الذي يشابه (يفعل)، وذلك فيما إذا كان المضاف اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة؛ فهذه الإضافة تسمى لفظية؛ فهي لم تفد معنى لأنها ما تعرفت بالإضافة ولا تخصصت بها.

فإذا قال قائل: بل تخصصت لأن قوله: (بالغ الكعبة) أخرج ما سواها مما يبلغ غيرها؟ قلنا: هذا التخصيص من أجل العمل، كما لو قلت: أكرمتُ زيداً؛ فإن الإكرام هنا تخصص بزيد بواسطة أنه عمل فيه، ولذلك لو قلت: هدياً بالغاً الكعبةَ، أو قلت: هدياً بالغ الكعبةِ.

فذلك من حيث المعنى سواء، والتخصيص هنا بالعمل وليس بواسطة الإضافة.

أنا مكرمُ الطالب المجتهد، هذه الإضافة لفظية؛ لأن (مكرم) اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، وأما لو قلت: أنا مكرم الطالب المجتهد أمس، فهذه معنوية؛ لكن: أنا مكرم الطالبِ المجتهدِ غداً، أو: أنا مكرمُ الطالب الذي يحفظ ألفية ابن مالك عن ظهر قلب؛ لفظية؛ لأنها ما أفادت تخصيصاً ولا تعريفاً، بل (مكرم) هنا نكرة مع أنه مضاف إلى معرفة.

والتخصيص بالمجتهد ليس بواسطة الإضافة، بدليل أنك لو قلت: أنا مكرمٌ الطالبَ المجتهدَ، لتخصص مع أنه لا إضافة فيه.

إذاً: فالإضافة في الحقيقة (أنا مكرم الطالب المجتهد) ما استفدنا منها إلا فائدة لفظية فقط وهي التخفيف، أي: فبدلاً من أننا ننون ونقول: مكرمٌ الطالب، نختصر ونقول: مكرم الطالبِ المجتهد.

قوله: (وتلك محضة ومعنوية): تلك: المشار إليه الإضافة التي ليس المضاف فيها يشابه (يفعل)، يقول: تلك الإضافة التي سبقت في الأبيات الثلاثة الأولى محضة ومعنوية.

محضة: يعني خالصة، ومعنوية: أي تفيد التعريف أو التخصيص.