حذف عامل المصدر إذا كان نائباً عن فعل الأمر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والحذف حتم مع آت بدلا من فعله كندلاً اللذ كاندلا] قوله: (الحذف): مبتدأ.
حتم: خبر المبتدأ، أي: واجب ولازم.
(مع آت بدلاً من فعله) أي: مع مصدر آت بدلاً من فعله.
بدلاً: حال من الضمير المستتر في (آت).
وقوله: (من فعله) أي: من عامله، ومعناه: إذا جعل المصدر نائباً عن الفعل فإنه يحذف الفعل؛ لأنه لا يجتمع النائب والمنوب عنه، والتصرف لا يكون إلا لواحد إما الوكيل أو الموكل، أما أن تجمع الوكيل والموكل فلا يمكن، فإذا ناب المصدر عن فعله فإنه يحذف وجوباً، ولكن لا ينوب المصدر عن فعله دائماً؛ بل في المثال المقيد: (كندلاً اللذ كاندلا).
وقوله: (كندلاً) الكاف: حرف جر، وندلاً: اسم مجرور بالكاف، وهو الآن منصوب، نقول: الآن لم يسلط الحرف على (ندلاً)، وإنما يجوز في إعرابه وجهان، الوجه الأول: أن تكون الكاف داخلة على مجرور مقدر، والتقدير: كقولك (ندلاً).
والثاني: أن تكون داخلة على الجملة، فهو يشير إلى بيت معروف، وهو قول الشاعر: يمرون بالدهنا خفافاً عيابهم ويرجعن من دارين بجر الحقائب على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلاً زريق المال ندل الثعالب هذا شاعر يهجو لصوصاً يسرقون من الأحساء من دارين، فيمرون بالدهناء، والدهناء موضع معروف.
فيمرون خفافاً عيابهم ليس فيها شيء من المتاع، فإذا وصلوا إلى دارين وسرقوا من متاعها (يرجعن بجر الحقائب) أي: مملوءة، (على حين ألهى الناس جل أمورهم) فيأتون على حين غفلة من الناس.
(فندلاً زريق المال) الندل معناه: خطف الشيء بسرعة، يقول: ينادي صاحبه: اخطف خطفاً سريعاً، وكن خفيف اليد سريع الروغان كالثعلب.
فالمهم: أن قوله: (ندلاً) مصدر ناب عن الفعل، ولهذا يقول ابن مالك رحمه الله: (كندلاً اللذ كاندلا) اللذ: لغة في (الذي) أي: كندلاً الذي كاندلا، وكلمة (اندل): فعل أمر، أي: اخطف بسرعة، فإذا جاءت (ندلاً) بمعنى (اندل) وجب حذف عاملها؛ لأنها نابت مناب الفعل الذي هو فعل الأمر.
وعليه نقول في إعراب (فندلاً زريق المال ندل الثعالب): ندلاً: مصدر نائب مناب فعل الأمر منصوب بفعله المحذوف، والتقدير: اندل ندلاً.
زريق: منادى حذفت منه ياء النداء، والأصل: يا زريق، وزريق اسم رجل.
المال: مفعول (ندلاً) لأن (ندلاً) نابت مناب (اندل).
وندل: مصدر مبين للنوع.
إذاً: لو قال قائل: أنا أريد أن أقول: فاندل ندلاً زريق المال ندل الثعالب، نقول: لا يجوز.
ولو قلت: ضرباً المهمل، وأنا أريد أن آمر بأن تضربه، فلا يجوز أن أقول: اضرب ضرباً المهمل؛ لأن المصدر نائب عن فعل الأمر، ولا يجتمع النائب والمنوب عنه، أما إذا لم يكن فعل أمر مثل: ضربت ضرباً المهمل، فيجوز ذكر الفعل.
فالقاعدة إذاً: يجب حذف عامل المصدر إذا ناب عن فعل الأمر، فيشترط أن يكون فعل أمر، وقد أخذنا هذا من التمثيل بقوله: (كندلاً اللذ كاندلا)، فهذا أحد المواضع التي يجب فيها حذف عامل المصدر.