للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حالات حذف الخبر وجوباً

قال: (وبعد لولا غالباً حذف الخبر حتم).

لما تكلم المؤلف عن جواز حذف المبتدأ والخبر ذكر المواضع التي يجب فيها حذف الخبر، كالاستثناء مما سبق، فكأنه قال: إلا في هذه المواضع فيجب الحذف.

فبعد (لولا) يجب حذف الخبر، كقولك: لولا زيدٌ لغرقت؛ فعندنا مبتدأ ولم نجد له خبراً؛ لأن (لغرقت) جواب لولا، فالخبر محذوفٌ وجوباً، التقدير: لولا زيد موجود، أو لولا زيد حاضر.

وقول ابن مالك رحمه الله: (غالباً) يعني: في أكثر الأحوال، ومفهومه أن من غير الغالب ألا يحذف الخبر بعد لولا، فيكون إبقاؤه قليلاً.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها: (لولا قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم) فقوم: مبتدأ، وحديثو عهد: خبر المبتدأ، ولهدمت الكعبة: جواب لولا، فهنا ذكر الخبر بعد لولا.

ومن ذلك أيضاً قول الشاعر: فلولا الغمد يمسكه لسالا فقوله الغمد: مبتدأ.

ويمسكه: خبر.

ولسال: جواب لولا.

فأنت ترى الآن أن الخبر وجد بعد (لولا) في كلام أفصح العرب وهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي كلام العرب العرباء، فما الجواب عن هذا؟ الجواب عن هذا حسب كلام ابن مالك سهل؛ فهذا من القليل الذي لا يحذف فيه خبر المبتدأ مع لولا، وإذا سلكنا هذا المسلك صار الأمر سهلاً، فكلما جاءك الخبر مع وجود لولا فقل: هذا من القليل.

لكن بعض النحويين يقول: إن الخبر بعد لولا: إما أن يكون كوناً عاماً، وإما أن يكون شيئاً خاصاً لا دليل عليه، وإما أن يكون شيئاً خاصاً عليه دليل.

فإن كان كوناً عاماً وجب الحذف، وإن كان شيئاً خاصاً وجب الذكر إذا لم يكن له دليل، وإذا كان شيئاً خاصاً لكن في الكلام ما يدل عليه فحذفه جائز، ووجوبه قليل.

وهذا جيد؛ لأنه إذا كان الخبر شيئاً خاصاً ولكنه لا يعلم فلابد من ذكره.

ففي الحديث: (لولا قومك حديثو عهد بكفر) لو حذفنا (حديثو عهد بكفر) لا يمكن أن نقدر: لولا قومك موجودون، يعني: لا يمكن أن نقدره كوناً عاماً؛ لأنه ليس المانع وجود قومها، إنما المانع هو كونهم حديثي عهد، فمجرد وجودهم لا يمنع هذا الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام، لذلك كان لابد من ذكره.

وإذا كان خاصاً لكن يدل عليه الدليل، مثل: لولا زيدٌ لهلكت من الجوع، هنا لا يمكن أن تقدر كوناً عاماً، فلا نقول: لولا زيدٌ موجود لهلكت من الجوع؛ لأن وجود زيد ليس سبباً لكونك تسلم من الموت بالجوع، لكن المعنى: لولا زيدٌ أطعمني لهلكت من الجوع.

فكلمة (أطعمني) خاص لكن دل عليه دليل: لهلكت من الجوع.

إذاً في هذه الحال يجوز أن يذكر الخبر ويجوز أن يحذف، فيجوز أن تقول: لولا زيدٌ أطعمني لهلكت من الجوع، ويجوز أن تقول: لولا زيدٌ لهلكت من الجوع.

ومن ذلك قول الشاعر: لولا الغمد يمسكه لسالا.

لو قال: لولا الغمد لسال، لجاز؛ لأن المعنى مفهوم، فإنه إذا كان في الغمد سيمسكه الغمد ولا يمكن أن يسيل، فصار ذكر (يمسكه) وحذفها على حد سواء؛ لأنها معلومة من السياق.

فالأول يحتج به الطالب المبتدئ، إذا قال: كيف تقول في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لولا قومك حديثو عهد بالكفر)؟ يقول: وبعد لولا غالباً ليس دائماً، وهذا من القليل ويكفيه على رأي ابن مالك.

وإذا كان طالب علم فسيجيبه، ويقول: الكون هنا ليس كوناً عاماً، بل هو شيء خاص لابد من ذكره؛ يعني يجوز مثلاً أن يكون المعنى: لولا قومك منعوا لبنيت الكعبة، لولا قومك حاضرون لبنيت الكعبة، إذاً لابد أن يقول: لولا قومك حديثو عهد، حتى تزول هذه الاحتمالات.

وإن قيل: ما تقول في قول الشاعر: فلولا الغمد يمسكه لسالا؟ أقول: هذا لا شك أنه خاص؛ لأنه ليس المانع وجود الغمد، إنما المانع كون الغمد يمسكه.

إذاً نقول: كان مقتضى القاعدة أن يجب حذفه لكونه بعد (لولا)، لكن لابد من ذكره؛ لأنه خاص إلا أن وجوب الذكر عارضه العلم به من حيث السياق؛ لأن قوله: (لسال)، يدل على أن المعنى: لولا الغمد يمسكه.

فلذلك نقول: (لولا الغمد يمسكه) يجوز حذفه ويجوز ذكره.

وأما (لولا قومك حديثو عهد) فيجب ذكره.

وأما في قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ} [الحج:٤٠] فلا يجوز ذكره؛ لأن المقصود مجرد وجود الدفع، أي: ولولا دفع الله الناس موجود لهدمت صوامع.

وفي قوله تعالى: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ:٣١]، أي: لولا أنتم صددتمونا، هذا شيء خاص لكن بدليل قوله تعالى: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} [سبأ:٣٢]، فصار هذا معلوماً من السياق.

ومما حذف فيه الخبر قوله تعالى: {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} [القصص:٨٢] والتقدير: لولا منة الله موجودة لخسف بنا.

فخلاصة القول الآن: إن ابن مالك في هذا الكتاب سلك مسلكاً يكون به مخرجاً للمبتدئ إذا أورد عليه ذكر الخبر بعد لولا؛ يقول: حذفه غالب وهذا من غير الغالب.

وأما التفصيل الذي قيل فهو تفصيل حسن من حيث المعنى، وهو أن يقال: الخبر بعد (لولا) ثلاثة أقسام: كون عام، وشيء خاص لا دليل عليه، وشيء خاص عليه دليل، فالأول: يجب فيه الحذف، والثاني: يجب فيه الذكر، والثالث: يجوز فيه الوجهان.

قال المؤلف: [وفي نص يمين ذا استقر] في نص: خبر مقدم أو متعلق بالخبر.

ذا استقر: وذا: مبتدأ، وجملة (استقر) خبره.

يعني: واستقر الحذف الواجب في نص يمين.

فإذا كان المبتدأ نص يمين في القسم فإنه يحذف الخبر وجوباً، مثاله: لعمر الله لأفعلن، فهنا (عمر) مبتدأ، وهو نص في اليمين فيحذف الخبر وجوباً.

ولا يجوز أن تقول: لعمر الله قسمي، بل يجب عليك حذف الخبر، لأن هذا هو المعروف من لغة العرب، والقواعد النحوية بنيت على كلام العرب، وليس كلام العرب مبنياً على القواعد، ولهذا فكلام العرب يحكم على قواعد النحويين لا والعكس.

وفي قوله: (وفي نص يمين) مفهومه أنه إذا كان دالاً على اليمين ولكن ليس نصاً فيه فإنه يجوز الحذف وعدمه, مثل أن تقول: (عهد الله لأفعلن)، فهنا (عهد) يحتمل أن تكون يميناً، ويحتمل أن تكون ميثاقاً، فهي ليست نصاً في اليمين؛ ولهذا يجوز أن تقول: (عهد الله علي، أو تقول: علي عهد الله لأفعلن) ولا يجب حذف الخبر هنا؛ لأن المبتدأ ليس نصاً في اليمين.

وخلاصة القول: أنه يجب حذف الخبر إذا كان المبتدأ نصاً في اليمين، والمثال: لعمر الله لأفعلن، والعمر هنا بمعنى الحياة.

فإن لم يكن نصاً في اليمين لكنه دال على اليمين جاز الذكر والحذف ومثاله: (عهد الله لأفعلن) فيجوز أن تذكر الخبر وتقول: (علي عهد الله لأفعلن، أو عهد الله علي لأفعلن) لأن المبتدأ هنا ليس نصاً في اليمين.

فإن قال قائل: لعمري لا أفعلن، فهو يحلف بحياته والأصل ألا يحلف، لكن الحلف هنا ليس بصيغة القسم، والممنوع أن يكون بصيغة القسم، مثل أن يقول: (وعمري لأفعلن)، فهذا لا يجوز، لكن لو قال: لعمري؛ يجوز وقد جاءت في السنة، وأيضاً جاءت عن الصحابة، وهي بمعنى القسم؛ لأنه حتى التحريم المجرد يكون حكمه حكم القسم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبعد واو عينت مفهوم مع كمثل كل صانع وما صنع] قوله: (وبعد واو عينت مفهوم مع) هذا الموضع الثالث مما يجب فيه حذف الخبر، فيجب حذف الخبر بعد واو المعية التي لا يصح أن تكون عاطفة، مثل: (كل صانع وما صنع) فالخبر محذوف والتقدير: كل صانع وما صنع مقترنان.

و (كل) مبتدأ، و (صانع) مضاف إليه، و (الواو) للمعية.

و (ما صنع) يحتمل أن تكون (ما) موصولة، أي: والذي صنعه، ويحتمل أن تكون مصدرية أي: وصنعته، وهذا أقرب، فنقول: كل صانع وصنعته مقترنان.

وكذلك: كل طالب وكتابه، وكل إنسان وثوبه.

فإذا كانت الواو بمعنى: (مع) وهي نص في المعية، فإن الخبر يكون محذوفاً وجوباً.

ولو قال قائل: إن الواو هنا بمعنى: (مع) فتكون ظرفاً ويكون الظرف هو الخبر؛ والتقدير: كل صانع كائن مع صنعته، وكل إنسان كائن مع ثوبه، وكل إنسان كائن مع كتابه، وما أشبه ذلك، نقول: لو قيل بهذا لكان له وجه؛ لأنه إذا تعينت أن تكون الواو بمعنى: (مع) فإن (مع) ظرف يصح أن يكون خبراً.

وقوله: (عينت مفهوم مع) يفهم منه أنه لو كانت الواو صالحة لأن تكون عاطفة، ولم تكن متعينة للمعية؛ فإنه لا يجب حذف الخبر، مثل أن تقول: (زيد وعمرو مصطحبان).

وحينئذ نقول: إن كان الخبر معلوماً جاز حذفه وذكره، وإن كان الخبر خاصاً لا يعلم مما تفيده الواو وجب ذكره.

زيد وعمرو: الواو هذه عاطفة، ويجوز أن تكون للمعية لكنها لا تتعين، فإذا قلت: زيد وعمرو، فالواو تفيد اقترانهما في المجيء، فتقول: مقترنان، ويجوز أن تحذف الخبر.

أما لو كنت تريد أن تقول: زيد وعمرو مقتتلان، فهنا لا يجوز الحذف، لأنك إذا قلت: زيد وعمرو، وأنت تريد مقتتلان، لا يفهم هذا؛ بخلاف زيد وعمرو مقترنان؛ لأن الواو تقتضي الاشتراك والاقتران.

فصارت المسألة على ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن تكون الواو بمعنى (مع)، ولا تحتمل العطف، فهنا يكون الخبر محذوفاً وجوباً، استغناءً عنه بواو المعية.

والقسمان الثاني والثالث: أن يكون العطف بواو لا تتعين للمعية، فهنا نقول: إن دل دليل على الخبر المحذوف جاز ذكره وحذفه، وإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره.

قال: [وقبل حال لا يكون خبرا عن الذي خبره قد أضمرا كضربي العبد مسيئاً وأثم تبييني الحق منوطاً بالحكم] إذا أتى المبتدأ وبعده حال لا تصح أن تكون خبراً فإنه يجب تقدير الخبر، ويكون في هذه الحال محذوفاً مثاله: ضربي العبد مسيئاً: (ضرب): مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهو مضاف والياء مضاف إليه مبني على السكون في محل جر.

والضرب هنا مضاف إلى الفاعل.

و (العبد): مفعول به.

(مسيئاً): حال من العبد، يعني: ضربه حال إساءته.

ولا يصح أن يكون (مسيئاً) خبراً لضرب؛ لأن الضرب لا يوصف بالإساءة، إنما ا