الضمائر التي تستتر وجوباً
قال المؤلف رحمه الله: [ومن ضمير الرفع ما يستتر كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر قوله: (ومن ضمير الرفع ما يستتر): من: للتبعيض، والجار والمجرور خبر مقدم.
وما: مبتدأ مؤخر.
والاستتار الاختفاء.
وقوله: (ومن ضمير الرفع إلى آخره)، يدل على أن المراد بكلام المؤلف ما يستتر وجوباً؛ لأن من المستتر ما يستتر تارة وجوباً وتارة جوازاً، مثاله: افعل: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت.
وهنا إشكال في قوله: (كافعل)، كيف دخلت الكاف وهي من حروف الجر على الفعل، ونحن نقول: كل كلمة دخل عليها حرف الجر فهي اسم؛ لأن المراد بها لفظها، كأنه قال: كهذا اللفظ، أو أن الكاف داخلة على مقدر تقديره: كقولك افعل.
أوافق: فعل مضارع مجزوم على أنه جواب فعل الأمر، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنا.
وهذا هو الصحيح.
وقيل: أوافق: مجزوم لأنه جواب لشرط مقدر تقديره: إن تفعل أوافق، ولكن الصحيح أنه لا داعي لهذا التقدير، لأن التقدير يطيل الكلام.
نغتبط: هذا جواب آخر للأمر، وهو فعل مضارع مجزوم، وفاعله مستتر وجوباً تقديره نحن.
إذ تَشْكُر أو تُشْكَر: يجوز الوجهان، والمراد به المخاطب، فهو فعل مضارع مرفوع بضمة ظاهرة، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت.
فإن قيل: لماذا كرر الضمير الذي تقديره أنت في قوله: (افعل) وفي قوله: (تشكر)؟ قلنا: كرره ليشمل ما كان فعل أمر وما كان فعلاً مضارعاً، مع أن (تشكر) أحياناً يكون ضميره مستتراً جوازاً، كما إذا كان يتحدث عن امرأة، فيقول: المرأة تشكر الله، فهنا نقول: تشكر فيه ضمير مستتر جوازاً تقديره هي.
ما هو الضابط للمستتر وجوباً والمستتر جوازاً؟ هناك ضابط يسير: وهو أن ما كان تقديره أنا أو نحن أو أنت، فهو مستتر وجوباً، وما كان تقديره هو أو هي فهو مستتر جوازاً.
إلا أن الأخير يستثنى منه بعض الضمائر التي تقدر بهو أو هي ويكون مستتراً وجوباً، كأفعال التفضيل مثل: ما أحسن زيداً! يقولون: إن تقدير الجملة: شيء عظيم أحسن زيداً، فأحسن فيه ضمير مستتر يعود على (ما) والتقدير: (هو) لكنه مستتر وجوباً، قالوا: لأن مثل هذا التركيب يجري مجرى المثل، والأمثال في لغة العرب تبقى على ما هي عليه ولا تتغير، حتى إنك تقول لرجل فوت الفرصة ثم أراد استدراكها: الصيف ضيعتِ اللبن! إذا ً نقول: ما كان تقديره أنا أو نحن أو أنت، فهو مستتر وجوباً، وما كان تقديره هو أو هي فهو مستتر جوازاً.
أما على رأي آخرين من العلماء فيقولون: ما صح أن يحل محله الظاهر فهو مستتر جوازاً، وما لا فمستتر وجوباً.
فمثلاً: فاعل (اسكن) لا يحل محله الظاهر، فلا تقول: اسكن زيد.
على أن زيداً فاعل.
فإن قال قائل: فقول الله: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة:٣٥] قلنا: أنت هنا ليست هي الفاعل، بل هي ضمير فصل، والفاعل مستتر وجوباً في اسكن.