[أسماء ملازمة للنداء]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أسماء لازمت النداء وفل بعض يخص بالندا لؤمان نومان كذا واطردا].
قوله: (أسماء): مبتدأ، و (لازمت): خبر، ويجوز أن تقول: أسماء: خبر مبتدأ محذوف أي: هذه أسماء، وعلى هذا التقدير نسلم من إيراد: أنه لا يصح الابتداء بالنكرة.
وقوله: (لازمت)، أي: صارت ملازمة للنداء، فلا تستعمل إلا في النداء.
قوله: (فُلُ) اختلف النحويون، فبعضهم قال: إن أصل (فلُ) فلان، وأصل (فلة) فلانة.
وقال آخرون: بل هي كلمة مستقلة برأسها، غير منحوتة، فإذا قلت: يا فلُ، فمعناها: يا مرء، ويا فلة أي: يا امرأة، وبناء على ذلك نقول: يا فلُ، دائماً، بخلاف ما لو قلنا: إنه مختزل من قولك: فلان، فإنه يجوز أن نقول: يا فُلُ ويا فُلَ، لكن هنا نقول: يا فلُ على أنه كلمة مستقلة بنفسها، كناية عن المرء، تقول يا فلُ استقم، أي: يا مرء استقم، ويا فلة استقيمي، أي: يا امرأة استحيي.
وهل يجوز أن يقال: فلُ قائمٌ؟ نقول: لا؛ لأن هذه مما تختص بالنداء، ولا يمكن أن تقول: رأيت فلاً، ولا: مررت بفلٍ؛ لأنها خاصة بالنداء.
أيضاً: (لؤمان، ونومان)، لؤمان: كثير اللؤم، وعظيم اللؤم، أي: لئيم بكثرة، هذه أيضاً مما يختص بالنداء، فتقول: يا لؤمان، والسبب: أن فيها شيئاً من التوبيخ، ونقول في إعرابها: يا: حرف نداء.
لؤمان: منادى مبني على الضم في محل نصب؛ لأنه نكرة مقصودة.
و (نومان) أي: كثير النوم، فلا تكاد تراه إلا نائماً، وهذا أيضاً مما يختص بالنداء؛ لأن كثرة النوم في الحقيقة عيب، ولهذا إذا صار الإنسان كثير النوم فلابد أن هناك سبباً، وعليه أن يعرض نفسه على أطباء؛ لأنه قد يكون هناك مرض لا يدري عنه، فالنوم لا بد أن يكون متزناً مع اليقظة.
صحيح أن الأطفال يكثرون النوم، فيمكن أن يناموا عشرين ساعة، ولكن هكذا فطروا، فإذا كبر الإنسان قل نومه.
قوله: (لؤمان): مبتدأ.
ونومان: معطوف عليه بحرف عطف مقدر.
كذا: جار ومجرور خبر المبتدأ.
إذاً: عندنا أربع كلمات: فلُ وفلة، ونومان، ولؤمان.
قوله: (واطرد في سب الأنثى وزن يا خباث).
(اطرد) أي: قياسياً، (في سب الأنثى) أي: عيبها وشتمها وما أشبه ذلك، تقول: يا خباث، يا لكاع، يا فجارِ، يا فساقِ، وما أشبه ذلك، فإذا أردت أن تنادي أنثى واصفاً لها بالعيب والسب تناديها على هذا الوزن: (فَعَالِ)، فإذا صارت كذوبة نقول: يا كذابِ، وإذا صارت قبيحة نقول: يا قباحِ، وعلى هذا فقس.
قوله: (والأمر هكذا من الثلاثي): الأمر: مبتدأ.
من الثلاثي: حال.
هكذا: خبر.
أي: يكون الأمر من الثلاثي مطرداً على وزن فعال، فتقول في (نزلَ): نزالِ، تقول لرجل مثلاً: نزال نكرمك، أي: انزل نكرمك، وكذلك نقول في حضر: حضار، وسجد: سجادِ، وركع: ركاعِ، وعلى هذا فقس، ولا يصح من غير الثلاثي.
قوله: (وشاع في سب الذكور فُعَلُ) أي: شاع في اللغة العربية في سب الذكور فُعَل، بينما الأنثى اطرد في سبها فَعَالِ، فصارت الأنثى أكثر منا عيوباً؛ لأن الذكور لم يرد إلا ما جاء في اللغة، أما الأنثى فهو مطرد أن يصاغ في سبها فعال.
أما الذكور فقال: (وشاع في سب الذكور فعل ولا تقس)، إذاً نقتصر على السماع، فما وجد على هذا الوزن في السماع أخذنا به، ولا نأتي من عندنا بشيء جديد، فلا يمكن أن نقول في سب الذكور: يا فُجَر، ولا يا فسق؛ لأنه لم يرد، فالمسألة موقوفة على الورود.
ومما ورد: لكع، وهي كلمة تعبر عن السب، لكن لا نقيس عليها، فلا نقول لإنسان غافل عند الدرس كثيراً: يا غُفل انتبه، أما لو كانت هناك طالبة غافلة فنقول: يا غفال انتبهي؛ فهو يصح لأنه مطرد.
إذاً: الأشياء المقصورة على السماع في اللغة العربية تشبه في المسائل الفقهية ما يسمونه بالتعبدِ، فإنه لا يقاس عليه.
قوله: (وجر في الشعر فلُ)، جر: فعل أمر، وتصلح لغير الأمر، فإن كانت المسألة قياسية وأنه كلما جاء (فلُ) في الشعر فلك أن تدخل عليها حرف الجر، فإن (جر) فعل أمر، وإن كانت المسألة سماعية، فإن (جر) فعل ماض، أي: جره العرب، وهذا الأخير هو الأقرب احتمالاً، وهو أن (جر) فعل ماض مبني للمجهول.
ومعنى (جر في الشعر فلُ)، أي: ورد مجروراً في الشعر، مع أنه مختص بالنداء، لكنه يرد في اللغة العربية مجروراً، ومنه قول الشاعر: تضل منه إبلي بالهوجل في لجة أمسك فلاناً عن فُلِ الشاهد قوله: (فلاناً عن فل)، أي: عن رجل من الرجال، وهذا البيت في الحقيقة مما يؤيد قول من قال: إنه منحوت من فلان، أي: أمسك فلاناً عن فلان، لكن لو كانت عن فلان لقال: عن فلَ، وبقي مفتوحاً.
والخلاصة: أن ابن مالك رحمه الله ذكر لنا عدة قواعد: القاعدة الأولى: أن من الأسماء ما يختص بالنداء فقط، فلا يأتي غير منادى، وهي: فلُ، فلة، لؤمان، نومان.
الثانية: أنه يجوز اطراداً أن يصاغ لسب الأنثى اسم على وزن فَعالِ، مثل: لكاعِ، وفجارِ، وغفالِ ونحوه.
الثالثة: أنه يصاغ من الفعل الثلاثي فعل أمر على وزن فعالِ، كنزالِ، بمعنى انزل، ودراكِ بمعنى أدرك، وتراكِ بمعنى اترك.
الرابعة: أنه يقال في سب الذكور: فُعَل، لكنه سماعي غير قياسي.
الخامسة: أن (فُلُ) سمعت في الشعر في حال الجر غير مناداة، كقول الشاعر: (أمسك فلاناً عن فلِ).