للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نيابة الظرف والمصدر والجار والمجرور عن الفاعل]

انتهى المؤلف رحمه الله من صيغة الفعل المبني لما لم يسم فاعله، ثم انتقل رحمه الله إلى: هل ينوب غير المفعول به عن الفاعل؟ لأن الكلام في نيابة المفعول به عن الفاعل، كما قال في أول الباب: (ينوب مفعول به عن فاعل)، فهل ينوب غير المفعول به عن الفاعل؟ يقول رحمه الله: [وقابل من ظرف او من مصدر أو حرف جر بنيابة حري] قوله: (قابل) مبتدأ، وسوغ الابتداء به الوصف: قابل من كذا.

من ظرف: جار ومجرور.

أو من مصدر: أو: حرف عطف، من مصدر: معطوف على (ظرف) بإعادة العامل.

أو حرف جر: معطوف على ظرف.

بنيابة: بنيابة جار ومجرور متعلق بحري.

حري: خبر المبتدأ، الذي هو: قابل.

أي: أن القابل من الظرف أو المصدر أو حرف الجر حري بالنيابة عن الفاعل، كما ناب المفعول به عن الفاعل.

بين المؤلف رحمه الله في هذا البيت أنه قد ينوب عن الفاعل ثلاثة أشياء: الأول: الظرف.

والثاني: المصدر.

والثالث: الجار والمجرور.

لكنه اشترط أن تكون قابلة للنيابة عن الفاعل.

والقابل للنيابة عن الفاعل هو الذي لم يلزم صيغة واحدة، فإن لزم صيغة واحدة فإنه لا يمكن أن يكون نائباً عن الفاعل؛ لأنه لو ناب عن الفاعل لتحول من اللزوم إلى الجواز، فلا بد أن يكون قابلاً للنيابة، وأن يكون مخصَّصاً بشيء من المخصصات، كما يقول في الشرح.

أولاً: الظرف: هناك بعض الظروف لا يمكن أن تكون نائباً عن الفاعل؛ لأنها لا تتحول عن الظرفية، وإذا لم تتحول عن الظرفية فلا يصح أن تكون نائباً عن الفاعل، ولنضرب أمثلة للذي يتحول عن الظرفية: كلمة (يوم) تتحول عن الظرفية، والدليل: أنها وردت اسماً لـ (إن) مثل قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:٤٧].

وجاءت مفعولاً به كقوله تعالى: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور:٣٧].

وجاءت مجرورة كقوله تعالى: {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:٥].

إذاً: يصح أن ينوب عن الفاعل، فيقال مثلاً: صيمَ يومٌ.

لفظ: (مكان)، أيضاً يصح أن ينوب عن الفاعل؛ لأنه يتصرف فيستعمل ظرفاً وغير ظرف، فتقول: نزل الرجل مكان زيدٍ، هذه ظرف، وتقول: سافرت إلى مكانٍ بعيد، كما قال تعالى: {يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت:٤٤]، فتحول الآن عن الظرف إلى الجار والمجرور، فيصح أن يقال: اشتُريَ مكانٌ بعيد، وسُكِنَ مكانٌ بعيد، ويكون (مكان) نائباً عن الفاعل.

ثانياً: المصدر، إن كان يتحول عن المصدرية جاز أن ينوب، وإن كان لا يتحول لم يجز أن ينوب، فكلمة: (سبحان)، يقولون إنها ملازمة للنصب على المصدرية أو على المفعولية المطلقة، فلا يمكن أن تنوب عن الفاعل؛ لأنها لا تتحول عن حال واحدة، فلو قلت مثلاً: سُبِّحَ سبحانُ الله، لكان هذا غير جائز، لأن (سبحان) لا تتحول عن المصدر أو عن المفعولية المطلقة.

ومن أمثلة المصادر التي يصح أن تكون نائباً للفاعل: المصدر (شُرْب) تقول: شُرِبَ شُربٌ كثير، فهذا المصدر يجوز أن يكون نائباً للفاعل؛ لأن (شُرب) تتحول عن المصدرية إلى أن تكون فاعلاً أو مفعولاً به أو مجروراً أو مبتدأ، لكن (سبحان) لا يمكن أن تتغير عما كانت عليه.

ثالثاً: حرف الجر، من حروف الجر ما لا يتحول عن حاله، مثل: حروف القسم، فالمجرور بحروف القسم لا يمكن أن يقع نائب فاعل؛ لأنه مختص بالقسم، فلا يمكن أن يقع نائب فاعل، فلو قلت: حُلِفَ والله، لكان هذا غير سائغ؛ لأنه لا يتحول عن القسم، لكن لو قلت: مُرَّ بزيد، فإنه يجوز أن ينوب عن الفاعل؛ لأنه يتحول عن هذه الصيغة، حتى إنهم يقولون: لو حذف حرف الجر لنصب، على حد قول الشاعر: تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم عليّ إذاً حرام