للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم المعطوف على اسم لا إذا تكررت]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وركب المفرد فاتحاً كلا حول ولا قوة والثانِ اجعلا مرفوعاً أو منصوباً أو مركباً وإن رفعت أولاً لا تنصبا] قوله: (وركب المفرد فاتحاً) المراد بالمفرد هنا ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، وبهذا نعرف أن للنحويين اصطلاحاً في كل باب بحسبه، فالمفرد في باب الإعراب: ما ليس مثنى ولا جمعاً، والمفرد في باب المبتدأ والخبر ما ليس جملة ولا شبه جملة، والمفرد هنا: ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف.

يقول: (ركب المفرد فاتحاً) ركب: فعل أمر.

المفرد: مفعول لركب.

فاتحاً: حال من فاعل ركب، أي حال كونك فاتحاً.

(كلا حول ولا قوة) أي: كهذا المثال، ولهذا نعرب هذه الجملة فنقول: الكاف: حرف جر.

لا حول ولا قوة: اسم مجرور بالكاف، لأن المقصود: كهذا المثال، فالمقصود لفظها.

قوله: (ركب المفرد فاتحاً) أي: ركبه مع لا كما تركب (عشر) مع العدد قبلها، فتقول: ثلاثة عشر، وتقول: لا رجل، فالكلمتان مركب بعضهما ببعض كما ركب العدد العشري مع العدد الفردي، وكيف تعرب؟ نقول: لا رجل في البيت.

لا: نافية للجنس.

رجل: اسمها مبني على الفتح في محل نصب، ولا يجوز أن نقول: لا رجلاً في البيت؛ لأنه يجب أن يبنى على الفتح، ولذلك يقول: (ركب المفرد فاتحاً كلا حول ولا قوة)، والخبر: إلا بالله، ولنقتصر على المثال الأول: (لا حول إلا بالله)، فنقول: لا: نافية للجنس.

حول: اسمها مبني على الفتح في محل نصب بها.

إلا: أداة حصر.

بالله: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا.

وهل يبنى خبرها كاسمها؟ لا، بل خبرها معرب غير مبني، ولهذا تقول: لا رجل قائمٌ، ولا تقل: لا رجل قائمُ، بل تنونه لأنه معرب.

قوله: (والثاني اجعلا).

الثاني: مفعول مقدم لـ (اجعلا)، والألف في قوله: (اجعلا)، يجوز أن تكون للإطلاق ويجوز أن تكون بدلاً عن نون التوكيد.

فإن كانت للإطلاق فلا إشكال، ولكنها في الواقع بدل عن نون التوكيد، والدليل لذلك: أن الفعل معها مبني على الفتح، فإن (اجعل) فعل أمر مبني على الفتح، فيتعين أن تكون الألف هنا عوضاً عن نون التوكيد الخفيفة؛ لأن نون التوكيد الخفيفة يجوز أن نبدلها بألف، كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:١٥].

وقوله: (مرفوعاً أو منصوباً أو مركباً): مرفوعاً: مفعول ثان لاجعل، والتقدير: اجعل الثاني مرفوعاً أو منصوباً أو مركباً.

أفاد المؤلف رحمه الله أنك إذا قلت: لا حولَ ولا قوة؛ فإنك تبني الأول على الفتح مركباً مع لا.

وأن الثاني يجوز لك فيه ثلاثة أوجه: أن تجعله مرفوعاً، أو منصوباً، أو مركباً؛ فتقول في الرفع: لا حولَ ولا قوةٌ، وفي النصب: لا حولَ ولا قوةً، وفي التركيب: لا حولَ ولا قوةَ.

إذاً: نقول في إعراب الأول (لا حول): حول: اسم لا مبني على الفتح، وسبب بنائه التركيب مع لا.

والثاني: (ولا قوة) يجوز في (قوة) ثلاثة أوجه: الرفع، والنصب، والتركيب.

ووجه الرفع: أنه معطوف على محل لا واسمها؛ أو على محل اسمها، لأن اسمها في الأصل كان مبتدأ.

ووجه النصب: أنه معطوف على محل اسم (لا) لفظاً؛ لأننا قلنا في (لا حول): حول: اسمها مبني على الفتح في محل نصب، فإذا نصبت (ولا قوةً) صارت معطوفة على محل اسم (لا) لفظاً.

ووجه التركيب: أنه يكون مستقلاً، أي يركب مع (لا) الثانية، وصار العطف هنا ليس عطف مفرد على مفرد، ولكنه عطف جملة على جملة، أي: أننا عطفنا (ولا قوة) كلها على جملة (لا حول)، فنقول في الإعراب: الواو: حرف عطف.

لا: نافية للجنس.

قوة: اسمها مبني على الفتح في محل نصب، والعطف هنا عطف جملة على جملة.

إذاً: إذا بنينا الأول على الفتح جاز في الثاني ثلاثة أوجه.

وإذا رفعنا الأول فلا ننصب الثاني؛ لعدم وجود السبب، فإذا قلنا: (لا حولٌ) فإن سبب الرفع إلغاء عمل (لا) فنقول: لا: نافية لا تعمل.

وحولٌ: مبتدأ.

فيمتنع نصب الثاني، ويبقى الرفع والبناء على الفتح؛ فنقول: لا حولٌ ولا قوةٌ إلا بالله، فتكون (لا) ملغاة في الأولى وفي الثانية.

ونقول: لا حولٌ ولا قوةَ، فتكون (لا) ملغاة في الأولى وعاملة في الثانية.

ولا تقل: لا حولٌ ولا قوةً؛ لأن أصل جواز النصب -فيما إذا بني الأول على الفتح- العطف على المحل لفظاً، وهنا وقع اسم (لا) مرفوعاً، فلا يمكن أن تعطف عليه منصوباً.

فخلاصة الكلام: يجوز لك في الأول وجهان: الإعمال والإهمال.

ففي حال الإعمال يكون مبيناً على الفتح، وفي حال الإهمال يكون مرفوعاً.

وإذا أعملت الأول جاز لك في الثاني ثلاثة أوجه: الرفع، والنصب، والتركيب.

وإذا أهملت الأول فيجوز في الذي بعده وجهان فقط: الرفع والبناء، ولا يجوز النصب لعدم وجود مقتضيه.

وقوله: (وركب المفرد فاتحاً) المراد بالمفرد هنا ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، فيشمل المثنى، ويشمل جمع المذكر والمؤنث السالمين، وإذا كان كذلك فيكون في قول ابن مالك: (فاتحاً) قصور؛ إذ إن المركب ينصب بالفتحة، وينصب بالياء، وينصب بالكسرة، وكلامه لا يشمل كل هذا، ولهذا عبر بعضهم بقوله: إنه يبنى على ما ينصب به، وقال بعضهم: لو أن ابن مالك قال: [وركب المفرد كالنصب كلا حول ولا قوة] لكان أشمل، تقول: لا رجل في البيت، ولا رجلين في البيت، ولا مسلمين في البيت، فهنا لم يبن على الفتح، بل بني على ما ينصب به وهو الياء.

كذلك نقول: لا مسلماتٍ في البيت، فبنيناه على الكسرة، لكن نقول في جمع المؤنث السالم خاصة: يجوز أن تبنيه على الفتح أيضاً فتقول: لا مسلماتَ في البيت.