للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فذهب ابن خزيمة وغيره إلى أنها صفة لله عز وجل (١)، وذهب ابن مندة، - كما ايظهر - إلى أنها بمعنى الذات حيث قال ( .. ، ذلك أن الله تعالى امتدح نفسه، ودعا عباده بذلك، وصدق به المصطفى صلّى الله عليه وسلم، وبين مراد الله عز وجل فيما كتب من ذكر نفسه، وأسمائه، وصفاته، فقال عز وجل {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، وقال النبى صلّى الله عليه وسلم قال الله تعالى وتقدس: «إنى حرمت الظلم على نفسى»، وقال النبى صلّى الله عليه وسلم بيانا لقوله: (إن الله عز وجل كتب كتابا على نفسه فهو عنده: إن رحمتى تغلب غضبى)، فبين مراد الله عز وجل فيما أخبر عن نفسه، وبين أن نفسه قديم غير فان بفناء الخلق، وأن ذاته لا يوصف إلا بما وصف، ووصفه النبى صلّى الله عليه وسلم ... ) (٢).

وبمراجعة تبويباته السابقة يتبين لنا ما يذهب إليه أبو عبد الله، وهذا القول رجحه شيخ الإِسلام ابن تيمية أيضا حيث قال: ويراد بنفس الشئ ذاته وعينه كما يقال رأيت زيدا نفسه، وعينه .. وقد قال تعالى: {تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ}، وقال {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ}، وفى الحديث الصحيح أنه قال لأم المؤمنين: «لقد قلت بعدك أربعَ كلمات لو وزن بما قلتيه لوزنتهن، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله وضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته»، وفى الحديث الصحيح الإِلهى عن النبى صلّى الله عليه وسلم: أنّ الله تعالى يقول «أنا عند حسن ظن عبدى بى، وأنا معه حين يذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم» فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء نفسه التى هى ذاته المتصفة بصفاته ليس المراد بها ذاتا منفكة عن الصفات ولا المراد بها صفة للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات، كما يظن أنها الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين خطأ) (٣).

ومن صفات الله عز وجل التى وصف بها نفسه فقال: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨]، وقال: {وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} [الرحمن: ٢٧]


(١) التوحيد لابن خزيمة (٦ - ٩).
(٢) التوحيد لابن مندة (ورقة ٧٤).
(٣) الفتاوى (٢٩٢/ ٩، ٢٩٣)

<<  <   >  >>