«ورد لفظ اليد فى القرآن والسنة، وكلام الصحابة، والتابعين، فى أكثر من مائة موضع، ورودا متنوعاً، متصرفا، فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقية من الإمساك والطى والقبض والبسط والمصافحة والحثيات والنضح باليد، والخلق باليدين، والمباشرة بهما، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده، وتخميره طينة آدم بيده، ووقوف العبد بين يديه، وكون المقسطين عن يمينه، وقيام رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم القيامة عن يمينه، وتخيير آدم بين «ما» فى يديه، فقال: اخترت يمين ربى، وأخذ الصدقة بيمينه يربيها لصاحبها، وكتابته بيده على نفسه أن رحمته تغلب غضبه، وأنه مسح ظهر ادم بيده، ثم قال: له ويداه مفتوحتان، اختر فقال: اخترت يمين ربى، وكلتا يديه يمين مباركة، وأن يمينه ملأى لا يغيضها نفقهَ سحاء الليل والنهار، وبيده الأخرى القسط يرفع ويخفض، أنه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، وأنه يطوى السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يطوى الأرض باليد الأخرى، وأنه خط الألواح التى كتبها لموسى بيده» «مختصر الصواعق المرسلة» (١٧٢/ ٢). والآية التى استدل بها المؤلف هنا من أقوى الحجج فى الرد على من يتأولون نصوص صفة اليد بالنعمة أو القوة؛ إذ كيف يقول الله عز وجل لإبليس ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فالله عز وجل خلق إبليس بقوته وقدرته أيضاً، فبماذا اختص آدم إذا؟ وكيف يقول موسى (ع) ً لآدم: أنت آدم خلقك الله بيده، ولم يقل موسى ذلك إلا لعلمه أن ذلك خاصية من الخصائص التى خص الله بها آدم، ثم لو كانت اليد هنا بمعنى القدرة لما وردت بلفظ التثنية فالقوة تأتى بلغة العرب فى لغة الجمع (أيد) كما قال عز وجل: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات: ٤٧]. ولو كان مجازاً فى القدرة والنعمةً، لم يستعمل منه لفظ يمين، فإذا قلنا تفسيرها النعمة، فكيف نفهم قوله صلّى الله عليه وسلم: «يقبض الله سمواته بيمينه والأرض بيده الأخرى» فكيف يقبضها بنعمته؟ أم قوله «المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين» على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا نعمتى الرحمن نعمة واحدة .. أما قول الرسول صلّى الله عليه وسلم: «إن الصدقة تقع فى يد الله قبل يد السائل» أنها تقع فى نعمة الله؟ أم قول أبى بكر الصديق - رضى الله عنه: «خلق الله الحلق فكانوا فى قبضته»، أى: ذعمته قال: لمن فى نعمته اليمنى ادخلوا الجنة، وقال لمن فى نعمته الأخرى ادخلوا النار؟ أم قول ابن عمر - رضى الله عنه: «خلق الله أربعة أشياء بيده، ثم قال لسائر الأشياء كن فكان» أفيجوز أن يقولوا: خلق أربعة أشياء بنعمته، ورزقه، ثم قال لسائر الخلق: كونوا بلا نعمة ولا رزق فكانوا؟ الرد على بشر المريسى: (ص ٣٩٧).