أعطنا، يا رسول الله، مُر لنا، فقال لهم: إني قد كنزت تحت المنبر كنزًا، وقد أَمَرْت مالكًا أن يقسمه فيكم، فاذهبوا إلى مالك، فانصرف الناس، وبعضهم يقول لبعض: ما ترون مالكًا فاعلًا؟ فقال بعضهم: ينفذ لما أمره به رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَقَّ مالكٌ وبَكَى، ثم خرجت من عنده وتركته على تلك الحال.
وقال أبو المُعَافَي بن أبي رافع المديني:
ألا إنَّ فَقْدَ العِلْم في فَقْد مالكٍ ... فلا زال فينا صالح الحال مالكٌ
يقيم طريق الحقِّ والحقُّ واضحٌ ... ويهدي كما تهدي النجوم الشوابكُ
فلولاه ما قامت حدودٌ كثيرةٌ ... ولولاه لانسدت علينا المسالكُ
عشونا إليه نبتغي ضوء رأيهِ ... وقد لزم الغي اللحوحُ المماحكُ
فجاء برأي مثله يُقتدي به ... كنظم جُمَّان زينته السبائكُ
أخبرنا أبو نصر اليوسفي، أنا أبو طالب بن يوسف، أنا الحسن بن علي الجوهري، أنا محمد بن العباس، أنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق بن إبراهيم، نا الحارث بن أبي أسامة، ثنا محمد بن أبي أسامة، ثنا محمد بن سعد، ثنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، قال: اشتكى مالك بن أنس أيامًا يسيرة، فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت، فقالوا: تَشَهَّد، ثم قال: لله الأمر من قبل ومن بعد.
توفي صَبيحة أربع عشرة من ربيع الأول، من سنة تسع وسبعين ومئة، في خلافة هارون، وصلَّى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وهو يومئذٍ والٍ على المدينة، ودُفن بالبقيع، وكان ابن خمس وثمانين سنة.