جماعة من أهل الحديث، ومعهم شيء من الطعام فأكلوا، فبيناهم كذلك إذ مرَّ بهم حمَّال على رأسه بطيخ فاشتروا منه فأكلوا وناموا، وأبو نصر يراهم فقال: يا قوم، هؤلاء أفعالهم أفعال العياذين، ويقعون في الصالحين، فلما أن دَخَل ذكر في مجلسه فعل يحيى وأصحابه، وبلغ ذلك يحيى فاغتم، فلما كان ذات يوم جاء أبو نصر إلى جدي -يعني أبا خيثمة- فرحب به جدي، وتواضع له، فقال له أبو نصر: لي إليك حاجة فتبلغ معي. ثم إنه جاء إلى خلف بن هشام البزار فرحب به فقال له: تبلَّغ معنا في حاجة. قال: فجاء بهم إلى يحيى بن معين، فقال: إنكما من إخوان يحيى فَسْألَاهُ أن يجعلني في حِلٍّ مما كنت أوذيه، فقال يحيى: أنت في حِلّ، فقال: إذا قلت ذلك فأحدثك بما رأيتُ، رأيتُ البارحة فيما يرى النائم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكأنه جالس بالمدينة في المقصورة، ودخلت المسجد، فقيل: ذاك رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المحراب، فجئت فإذا هو جالس وحده، وأنت قائم على رأسه في يدك مِذَبَّة، فَتَذُب عنه، فأول ما رأيته نظرت أنت إليَّ، فقلتَ: يا رسول الله، هذا يؤذيني. فنظر إليَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شبه المغضب، فقال:"مالك وليحيى، إياك ويحيى" فانتبهت فزعًا، فسألت بعض هؤلاء المعبرين، فقال: ويحك، هذا الرجل الذي رأيت له هذه الرؤيا يَذُبُّ عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأذى والكذب، فبكي يحيى بن معين.
وقال محمد بن إسماعيل المكي: مات يحيى بن معين بالمدينة،
وحمل على سرير النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال إبراهيم بن المنذر: فرأى رجلٌ في المنام النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه مجتمعين، فقال: ما لكم مجتمعين؟ فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جئتُ لهذا الرجل أصلي عليه؛ فإنَّه كان يَذُب الكَذِبَ عن حديثي.