اللَّفْظِ دُونَ التَّقْدِيرِ لِزَوَالِ الْحَرَكَةِ الْفَارِقَةِ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ الْإِدْغَامِ وَوَزْنُهُ مُفْتَعَلٌ مِنْ الضَّرُورَةِ فَأَصْلُهُ مُضْتَرَرٌ وَتَاءُ الِافْتِعَالِ تُبْدَلُ طَاءً بَعْدَ أَحَدِ حُرُوفِ الْإِطْبَاقِ وَهِيَ الصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَلَا يَجُوزُ إدْغَامُ الضَّادِ فِي الطَّاءِ لِزَوَالِ اسْتِطَالَةِ الضَّادِ بِالْإِدْغَامِ وَمَعْنَاهُ الْمَلْجَأُ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْفَقِيرِ فَيَكُونُ نَعْتًا لَهُ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِقَوْلِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ وَالْعَبْدُ يُقَالُ عَلَى أَضْرُبٍ أَرْبَعَةٍ الْأَوَّلُ عَبْدٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْإِنْسَانُ الَّذِي يَصِحُّ بَيْعُهُ الثَّانِي عَبْدٌ بِالْإِيجَادِ وَذَلِكَ لَيْسَ إلَّا لِلَّهِ وَإِيَّاهُ قَصَدَ بِقَوْلِهِ {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣] الثَّالِثُ عَبْدٌ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} [ص: ٤١] وَمِنْهُ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا} [الإسراء: ١] .
الرَّابِعُ عَبْدُ الدُّنْيَا وَأَعْرَاضِهَا، وَهُوَ الْمُعْتَكِفُ عَلَى خِدْمَتِهَا وَإِيَّاهُ قَصَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «تَعِسَ
ــ
[حاشية العدوي]
فِعْلٍ مَبْنِيٍّ لِلْمَفْعُولِ وَيَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ ذَكَرَهُ التِّلِمْسَانِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ شَرْحُ النَّاصِرِ
(قَوْلُهُ مِنْ الضَّرُورَةِ) أَيْ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ لَا مِنْ الْمَصْدَرِ الْمَزِيدِ الَّذِي هُوَ الِاضْطِرَارُ وَظَهَرَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ مُضْطَرَّ بِالطَّاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ اُضْطُرَّ بِالطَّاءِ وَمُضْتَرَّ بِالتَّاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّرُورَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَأَصْلُهُ مُضْتَرَرٌ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَوَزْنُهُ مُفْتَعَلٌ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ فِيهِ مِيمًا وَتَاءً مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ الَّتِي يَجْمَعُهَا قَوْلُك سَأَلْتُمُونِيهَا (قَوْلُهُ وَتَاءُ الِافْتِعَالِ) أَيْ الْمَزِيدِ (قَوْلُهُ تُبْدَلُ طَاءً) إنَّمَا قُلِبَتْ طَاءً لِتَعَسُّرِ النُّطْقِ بِالتَّاءِ بَعْدَ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَاخْتِيرَ الطَّاءُ لِقُرْبِهَا مِنْ التَّاءِ مَخْرَجًا (قَوْلُهُ حُرُوفِ الْإِطْبَاقِ) إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْطِبَاقِ طَائِفَةٍ مِنْ اللِّسَانِ بِهَا عَلَى الْحَنَكِ إلَّا عَلَى عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِأَحْرُفِ أَيْ جَمْعِ قِلَّةٍ؛ لِأَنَّهَا أَرْبَعَةٌ، وَهُوَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِعَشْرَةٍ وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ لِمَا فَوْقَهَا إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ مَجَازًا وَبِأَنَّ السَّعْدَ صَرَّحَ بِمَا يُفِيدُ اشْتَرَاكَ الْجَمْعَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ وَاخْتِصَاصُ جَمْعِ الْكَثْرَةِ بِمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَهِيَ الضَّادُ) نَحْوُ مُضْطَرٌّ.
(قَوْلُهُ وَالصَّادُ) نَحْوِ مُصْطَبِرٌ وَيَجُوزُ فِيهِ الْبَيَانُ وَالْإِدْغَامُ بِقَلْبِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ دُونَ عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَزُولُ صَفِيرُ الصَّادِ (قَوْلُهُ وَالطَّاءُ) الْمُهْمَلَةُ نَحْوُ اطْتَلَبَ فَقُلِبَتْ التَّاءُ طَاءً وَيَجِبُ الْإِدْغَامُ حِينَئِذٍ لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ نَحْوَ الْمُطَّلَبِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ (قَوْلُهُ وَالظَّاءُ) نَحْوَ اظْطَلَمَ فَيَجُوزُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْبَيَانُ أَوْ عَدَمُ إدْغَامِ الصَّادِ فِي الطَّاءِ وَالْإِدْغَامُ إمَّا لِلْأَوَّلِ فِي الثَّانِي أَوْ عَكْسُهُ وَقَدْ رُوِيَ بِالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ
هُوَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِيك نَائِلَهُ ... عَفْوًا وَيَظْلِمُ أَحْيَانًا فَيُظْطَلَمُ
(قَوْلُهُ لِزَوَالِ اسْتِطَالَةِ الضَّادِ) أَيْ اسْتِطَالَتِهَا فِي الْفَمِ لِرَخَاوَتِهَا حَتَّى اتَّصَلَتْ بِمَخْرَجِ اللَّامِ وَلِذَا أُدْغِمَتْ اللَّامُ فِيهَا نَحْوَ وَلَا الضَّالِّينَ وَاسْتِطَالَتُهَا عِبَارَةٌ عَنْ امْتِدَادِ هَذَا الْحَرْفِ فِي مَخْرَجِهِ عِنْدَ النُّطْقِ بِهِ، وَهُوَ اللِّسَانُ قِيلَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَقِيلَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى مَا قَبْلَ آخِرِهِ عَلَى خِلَافٍ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ وَمَعْنَاهُ الْمُلْجَأُ) أَيْ الشَّدِيدُ الْحَاجَةِ الْمَجْهُودِ الَّذِي لَا يَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَلَا يَرَى شَيْئًا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ كَالْغَرِيقِ فِي الْبَحْرِ وَالضَّالِّ فِي الْقَفْرِ لَا يَرَى لِإِغَاثَتِهِ إلَّا مَوْلَاهُ.
(قَوْلُهُ اسْمُ مَفْعُولٍ) فَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْجِيمِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ أَقَلُّ أَفْرَادًا كَتَبَ بَعْضُهُمْ مَا نَصُّهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ أَنَّ النَّعْتَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْ الْمَنْعُوتِ أَيْ يَكُونَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ النَّعْتِ أَقَلَّ أَفْرَادًا مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَنْعُوتِ نَعَمْ إذَا كَانَا مَعْرِفَتَيْنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فِي التَّعْرِيفِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهِ وَلِذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَالْمَوْصُوفُ أَخَصُّ أَوْ مُسَاوٍ وَالْمَعْنَى بِقَوْلِهِ النَّعْتُ دُونَ الْمَنْعُوتِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ أَيْ كَقَوْلِك جَاءَنِي الرَّجُلُ الْعَاقِلُ وَهَذَا مِثَالٌ لِلْمُسَاوِي وَمِثَالُ الدُّونِ أَكْرَمْت هَذَا الرَّجُلَ وَمِثَالُ الْأَخَصِّ الْغَيْرُ الْجَائِرُ جَاءَنِي الرَّجُلُ هَذَا، هَذَا حَاصِلُ مَا قِيلَ (وَأَقُولُ) مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُضْطَرِّ أَخَصُّ مِنْ مَفْهُومِ الْفَقِيرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَفْهُومَ النَّعْتِ أَخَصُّ مِنْ مَفْهُومِ الْمَنْعُوتِ وَلَوْ خُصُوصًا وَجْهِيًّا فَصَحَّ قَوْلُهُ فَيَكُونُ نَعْتًا لَهُ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ) عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَجُوزُ لَنَا وَجْهَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُضْطَرُّ نَعْتًا لِعَبْدٍ وَأَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْفَقِيرِ كَمَا قَالَهُ السَّمِينُ مِنْ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا نُعِتَ بِنَعْتٍ وَأُتِيَ بَعْدَهُ بِنَعْتٍ أَخَصَّ جَازَ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي وَعَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْفَقِيرِ وَفِي وَالتَّعْبِيرُ بِيُوجَدُ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى قِلَّةِ هَذِهِ النُّسْخَةِ (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ يُقَالُ عَلَى أَضْرُبٍ أَرْبَعَةٍ) أَيْ يُحْمَلُ عَلَى أَنْوَاعٍ أَرْبَعَةٍ أَوْ عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا زَادَ فِي الْقَامُوسِ خَامِسًا، وَهُوَ الْإِنْسَانُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (قَوْلُهُ عَبْدٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ) أَيْ رِقِّيَّتُهُ سَبَبُهَا حُكْمُ الشَّرْعِ بِهَا أَيْ حُكْمُ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ عَبْدٌ بِالْإِيجَادِ) أَيْ رِقِّيَّتُهُ وَمَمْلُوكِيَّتُهُ ثَبَتَتْ لَهُ بِسَبَبِ إيجَادِهِ أَيْ إخْرَاجِهِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ.
(قَوْلُهُ عَبْدٌ بِالْعُبُودِيَّةِ) أَيْ رِقِّيَّتُهُ لِلْمَوْلَى أَوْ مَمْلُوكِيَّتُهُ لَهُ لَيْسَ سَبَبُهَا الْإِيجَادُ بَلْ سَبَبُهَا إظْهَارُ تَذَلُّلِهِ لَهُ وَذَلِكَ يَكُونُ فِي اللَّهِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} [ص: ٤١] أَيْ وَاذْكُرْ مَمْلُوكَنَا بِسَبَبِ عُبُودِيَّتِهِ لَنَا؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ مَدْحٍ لَا بِسَبَبِ إيجَادِنَا لَهُ لِوُجُودِهَا فِي الْكَافِرِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ (قَوْلُهُ عَبْدُ الدُّنْيَا) لَمْ يُضِفْ فِيمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ هَذَا فَأَضَافَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا جُعِلَ سَبَبًا فِي الْعَبْدِيَّةِ لَا يُوصَفُ بِالْمَالِكِيَّةِ إذْ الْمَالِكُ فِي الْإِيجَادِ وَالْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْمَالِكُ فِي الرِّقِّ السَّيِّدُ بِخِلَافِ الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْ اشْتَغَلَ بِهَا عَنْ طَاعَةِ مَوْلَاهُ تَتَّصِفُ الدُّنْيَا بِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لَهُ فَلِذَلِكَ أَضَافَهُ لَهَا وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي عَبْدِ الْعُبُودِيَّةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِقَصْدِ التَّنْفِيرِ عَنْ الدُّنْيَا وَأَعْرَاضِهَا وَالدُّنْيَا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا اطِّلَاقٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقِيلَ إنَّهَا كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَأَعْرَاضِهَا) أَيْ مَا يَعْرِضُ بِهَا مِنْ التَّلَاهِي بِسَبَبِهَا (قَوْلُهُ الْمُعْتَكِفُ) أَيْ الْمُوَاظِبُ عَلَى خِدْمَتِهَا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ خِدْمَتَهَا تَرْجِعُ إلَى التَّلَاهِي فَإِذَنْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْتَصِرَ الشَّارِحُ عَلَى الدُّنْيَا فَيَقُولَ: الرَّابِعُ عَبْدُ الدُّنْيَا وَلَا يَزِيدُ وَأَعْرَاضِهَا (قَوْلُهُ «تَعِسَ» )