للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ» فَالْعُبُودِيَّةُ إظْهَارُ التَّذَلُّلِ وَالْعِبَادَةُ أَبْلَغُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا غَايَةُ التَّذَلُّلِ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا مَنْ لَهُ غَايَةُ الْأَفْضَالِ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ أَرَادَ بِالْعَبْدِ الْمَعْنَى الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ (ص) الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ (ش) أَيْ الْمُتَأَلِّمُ قَلْبُهُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَجَازٌ مُرْسَلٌ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الِانْكِسَارَ، وَهُوَ التَّفَرُّقُ عَلَى التَّأَلُّمِ الْمُتَسَبَّبِ عَنْهُ وَالْخَاطِرُ، وَهُوَ الْهَاجِسُ عَلَى الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهُ فَالْعَلَاقَةُ السَّبَبِيَّةُ وَالْمُسَبَّبِيَّةُ وَالْحَالِيَّةُ وَالْمَحَلِّيَّةُ أَيْ فَالْعَلَاقَةُ غَيْرُ الْمُشَابَهَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ، ثُمَّ

ــ

[حاشية العدوي]

بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا مَعْنَاهُ هَلَكَ وَسَقَطَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْبِرْمَاوِيِّ (قَوْلُهُ إظْهَارُ التَّذَلُّلِ) أَيْ إظْهَارُ أَيِّ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ التَّذَلُّلِ أَوْ إظْهَارُ الْحَقِيقَةِ فِي أَيِّ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا فَيَسْتَحِقُّهَا إذَنْ الشَّيْخُ وَالْوَالِدُ وَنَحْوُهُمَا وَفِي التَّعْبِيرِ بِإِظْهَارِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّذَلُّلَ قَلْبِيٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ تَحْصِيلُ التَّذَلُّلِ.

(قَوْلُهُ أَبْلَغُ مِنْهَا) أَيْ أَبْلَغُ مِنْ جَمِيعِ أَفْرَادِهَا مَا عَدَاهَا فَالْعِبَادَةُ أَخَصُّ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْفَرْدُ الْأَعْلَى مِنْ الْعُبُودِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا غَايَةُ التَّذَلُّلِ) أَيْ أَعْلَى أَفْرَادِ التَّذَلُّلِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْأَعْلَى يُلَاحَظُ وَاحِدًا نَوْعِيًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْإِفْضَالِ) أَيْ غَايَةِ الْإِحْسَانِ أَيْ النَّوْعِ الْأَعْلَى مِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ لَيْسَ إلَّا لِلْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ بِالنَّوْعِ الْأَعْلَى مِنْهُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قُدْرَةُ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ إلَخْ) التَّرَجِّي بِالنِّسْبَةِ لِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا، وَأَمَّا أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ، ثُمَّ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ إرَادَةَ عَبْدِ الْعُبُودِيَّةِ تَنَكَّدَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى فَلَا تَظْهَرُ إرَادَتُهُ تَأَمَّلْ وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ إرَادَةِ عَبْدِ الدُّنْيَا تَوَاضُعًا بِجَعْلِ نَفْسِهِ غَيْرَ قَائِمَةٍ بِشُكْرِ مَوْلَاهَا بِتَلَاهِيهَا بِالدُّنْيَا وَحُظُوظِهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الْأَكَابِرِ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ مُقَصِّرَةً مُسْتَحِقَّةً لَأَنْ يُفْعَلَ بِهَا كُلُّ مَكْرُوهٍ.

(قَوْلُهُ خَاطِرُهُ) فَاعِلٌ بِالْمُنْكَسِرِ وَسَوَّغَ ذَلِكَ وُقُوعُهُ صِلَةً لِأَلْ فَلَمْ يَحْتَجْ لِمُسَوِّغٍ فَتَدَبَّرْ وَقَوْلُهُ أَيْ الْمُتَأَلِّمُ قَلْبُهُ إسْنَادُ التَّأَلُّمِ لِلْقَلْبِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الِانْكِسَارَ إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَمَا تَجْرِي الِاسْتِعَارَةُ فِي الْمَصْدَرِ قَبْلَ جَرَيَانِهَا فِي الْمُشْتَقَّاتِ كَذَلِكَ الْمَجَازُ الْمُرْسَلُ الْجَارِي فِي الْمُشْتَقَّاتِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْ الْمُنْكَسِرِ الْوَاقِعِ فِي الْمَتْنِ إلَى الْمَصْدَرِ أَيْ الِانْكِسَارِ إشَارَةً لِذَلِكَ (قَوْلُهُ عَلَى التَّأَلُّمِ الْمُتَسَبَّبِ عَنْهُ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّأَلُّمَ الْقَائِمَ بِهِ لَيْسَ سَبَبُهُ الِانْكِسَارَ الَّذِي هُوَ تَفَرُّقُ أَجْزَاءِ مَا كَانَ صُلْبًا كَالْحَجَرِ وَالتَّأَلُّمُ هُوَ الْوَجَعُ النَّاشِئُ عَنْ الضَّرْبِ أَوْ الْجُرْحِ مَثَلًا.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْهَاجِسُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ فَوْقَ الْهَاجِسِ وَلَعَلَّهُ أَطْلَقَهُ عَلَيْهِ مَجَازًا لِلْمُجَاوَرَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مَرَاتِبُ الْأَوَّلُ الْهَاجِسُ، وَهُوَ مَا يُلْقَى فِي الْقَلْبِ وَلَا يَدُومُ تَرَدُّدُهُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا هُوَ وَارِدٌ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعُهُ الثَّانِي الْخَاطِرُ، وَهُوَ جَرَيَانُهُ فِي الْقَلْبِ وَدَوَامُ تَرَدُّدِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ أَيْضًا وَالثَّالِثُ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَهُوَ تَرَدُّدُهُ هَلْ يَفْعَلُ أَوْ لَا، وَهُوَ مَرْفُوعٌ أَيْضًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ» الرَّابِعُ الْهَمُّ، وَهُوَ تَرْجِيحُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَهَذَا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ فَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَسَنَاتِ دُونَ السَّيِّئَاتِ.

الْخَامِسَةُ الْعَزْمُ، وَهُوَ قُوَّةِ الْقَصْدِ وَالْجَزْمِ بِهِ بِحَيْثُ يُصَمِّمُ الْقَلْبُ فِيهِ عَلَى الْفِعْلِ وَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ وَهَلْ إذَا عَمِلَ يَكُونُ عَلَيْهِ وِزْرَانِ وِزْرُ الْعَمَلِ وَوِزْرُ الْعَزْمِ قَطْعًا أَوْ يَجْرِي الْقَوْلَانِ الْآتِيَانِ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ وَالْهَمِّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَحُرِّرَ.

(فَوَائِدُ) الْأُولَى: هَلْ يَتَنَزَّلُ الْعَزْمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مَنْزِلَةَ الْمَعْصِيَةِ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالْحَقَارَةِ وَالْعِظَمِ فَالْعَازِمُ عَلَى الزِّنَا مَثَلًا يَأْثَمُ إثْمَ الزَّانِي أَوْ لَا يَتَنَزَّلُ بَلْ الْعَزْمُ عَلَيْهَا مُطْلَقُ ذَنْبٍ وَسَيِّئَةٍ أُخْرَى وَلَيْسَ هَذَا الذَّنْبُ كَفِعْلِهَا الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ هَكَذَا تَرَدَّدَ الْبَاقِلَّانِيُّ وَجَزَمَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ فِعْلِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ سَيِّئَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (أَقُولُ) وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ صَغِيرَةٌ (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ أَيْ، فَإِنْ تَكَلَّمْت بِهِ أَوْ عَمِلْت بِمَا حَدَّثَتْ بِهِ النَّفْسُ فِي الْمَعْصِيَةِ لَمْ يَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَهَلْ يُكْتَبُ عَلَيْهِ وِزْرَانِ وِزْرُ حَدِيثِ النَّفْسِ وَوِزْرُ التَّكَلُّمِ أَوْ الْعَمَلِ وَرُبَّمَا يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَوْ إنَّمَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ وِزْرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ وِزْرُ الْكَلَامِ أَوْ الْعَمَلِ فَقَطْ قَوْلَانِ وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ.

(الثَّالِثَةُ) قَوْلُنَا إنَّ الْهَمَّ بِالسَّيِّئَةِ لَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ أَيْ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِتِلْكَ السَّيِّئَةِ أَوْ يَعْمَلْ، فَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَا أَوْ عَمِلَ تُكْتَبُ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى مِنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ وَيَجْرِي فِي ذَلِكَ الْقَوْلَانِ.

(الرَّابِعَةُ) قَوْلُنَا فِي الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ أَيْضًا إنَّ الْهَمَّ لَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ أَيْ ثُمَّ يَظْهَرُ إنْ تَرَكَهَا خَوْفَ النَّاسِ أَوْ عَدَمَ شَهْوَةٍ لَمْ تُكْتَبْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِنْ تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْهَمَّ لَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي الْحَرَمِ وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} [الحج: ٢٥] يُرَادُ بِالْإِرَادَةِ الْعَزْمُ الْمُصَمِّمُ أَوَّلًا وَيُحْمَلُ عَلَى فِعْلِ الظُّلْمِ بِالْفِعْلِ وَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ هَلْ يَتَنَزَّلُ الْعَزْمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ إلَخْ، وَأَمَّا الْعَزْمُ عَلَى الْحَسَنَةِ فَهُوَ كَفِعْلِهَا لَكِنْ هَلْ يُسَاوِي حِينَئِذٍ الْعَزْمُ عَلَيْهَا الْهَمَّ بِهَا الْوَارِدَ فِي خَبَرِ «وَمَنْ هَمَّ بِهَا فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ كَامِلَةٌ» وَفِي الْوَاعِظِ الْفَتْحِ إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَامِلَةٌ غَيْرُ نَاقِصَةٍ أَيْ فِي عِظَمِ الْقَدْرِ لَا التَّضْعِيفِ إلَى الْعَشْرِ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ ذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْعَزْمِ عَلَى الْحَسَنَةِ وَالْهَمِّ بِهَا نَعَمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَيْهَا يُكْتَبُ عَشْرًا افْتَرَقَ مَعَ الْهَمِّ وَيُسْأَلُ حِينَئِذٍ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَزْمِ عَلَيْهَا وَبَيْنَ فِعْلِهَا الَّذِي فِيهِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْحَسَنَةِ، وَإِنْ كُتِبَ حَسَنَةً وَاحِدَةً سَاوَى الْهَمَّ عَلَى الْحَسَنَةِ، وَإِنْ كُتِبَ عَشْرًا سَاوَى فِعْلَهَا وَانْظُرْ مَا هُوَ الصَّرِيحُ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (قَوْلُهُ فَالْعَلَاقَةُ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فَقِيلَ الْعَلَاقَةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَقِيلَ السَّبَبِيَّةُ وَقِيلَ الْمُسَبَّبِيَّةُ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ السَّبَبِيَّةُ وَصْفُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَالْحَالِيَّةُ وَالْمَحَلِّيَّةُ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ فِي ذَلِكَ الْحَالِيَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>