للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَّلَ الِانْكِسَارَ بِقَوْلِهِ

(ص) لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى (ش) وَهِيَ لُغَةً قِلَّةُ الْكَلَامِ وَالْحَجْزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَاصْطِلَاحًا امْتِثَالُ أَمْرِ اللَّهِ وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَوَاضُعًا مِنْهُ وَإِلَّا فَعَمَلُهُ وَتَقْوَاهُ وَدِينُهُ مَشْهُورٌ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ كَشَيْخِهِ وَهَضْمُ النَّفْسِ شَأْنُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ قَالَ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: ٣٢] وَيُقَالُ مَنْ رَضِيَ بِدُونِ قَدْرِهِ رَفَعَهُ اللَّهُ فَوْقَ قَدْرِهِ (ص) خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ (ش) خَلِيلُ فَعِيلٌ مِنْ الْخُلَّةِ وَهِيَ صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ يَجُوزُ هُنَا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْعِلْمِيِّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ

ــ

[حاشية العدوي]

(قَوْلُهُ قِلَّةِ الْعَمَلِ) أَيْ الصَّالِحِ وَالْقَرِينَةُ عَلَيْهِ الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ؛ لِأَنَّ انْكِسَارَ الْخَاطِرِ لَا يَكُونُ إلَّا لِفَوَاتِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَا لِفَوَاتِ مُطْلَقِ الْعَمَلِ أَوْ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِيهِ لِلْكَمَالِ وَالْعَمَلُ الْكَامِلُ هُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالْعَمَلُ أَخَصُّ مِنْ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُنْسَبُ لِلْبَهَائِمِ كَمَا يُنْسَبُ لِذَوِي الْعُقُولِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَلَا يُقَالُ إلَّا فِيمَا كَانَ عَنْ فِكْرٍ وَرَوِيَّةٍ (قَوْلُهُ وَالتَّقْوَى) مِنْ تَقَيْتُ وَالْأَصْلُ وَقْيًا قُلِبَتْ الْوَاوُ تَاءً كَمَا فِي تُرَاثٍ، ثُمَّ الْيَاءُ وَاوًا فَصَارَ تَقْوَى، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ؛ لِأَنَّ أَلِفَه لِلتَّأْنِيثِ

(قَوْلُهُ قِلَّةُ الْكَلَامِ إلَخْ) مُنَاسِبٌ لِلْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ؛ لِأَنَّ قِلَّةَ الْكَلَامِ قَدْ تَكُونُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْأَمْرِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِنْ قِلَّةِ الْكَلَامِ فِي الْجُمْلَةِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَعِنْدَ أَهْلِ الْمَعَارِفِ مَفْهُومٌ (قَوْلُهُ وَالْحَجْزُ) كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيِّ وَفِي تت وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحَاجِزُ إلَخْ وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ ظَاهِرَةٌ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي كَ فَكَأَنَّ الْمُتَّقِيَ جَعَلَ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ وَالِاجْتِنَابَ عَمَّا نَهَاهُ اللَّهُ حَاجِزًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَذَابِ (قَوْلُهُ امْتِثَالُ أَمْرِ اللَّهِ وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ) أَيْ امْتِثَالُ أَوَامِرِ اللَّهِ قَالَ تت وَمِنْ الْأَوَامِرِ الْإِخْلَاصُ وَالصَّبْرُ وَالرِّضَا وَالزُّهْدُ وَالْقَنَاعَةُ وَالتَّوَكُّلُ وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ وَالنَّصِيحَةُ وَمَحَبَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَمِنْ النَّوَاهِي الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَالْبَغْيُ وَالْغَضَبُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَالْغِشُّ وَالْخَدِيعَةُ وَالْمَكْرُ وَالْكِبْرُ وَالْعُجْبُ.

اعْلَمْ أَنَّ لِلْمُتَّقِي كَمَا قَالَ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيِّ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ الْأُولَى التَّوَقِّي عَنْ الْعَذَابِ الْمُخَلَّدِ بِالتَّبَرِّي عَنْ الشِّرْكِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: ٢٦] وَالثَّانِيَةُ التَّجَنُّبُ عَنْ كُلِّ مَا يُؤْثِمُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ حَتَّى الصَّغَائِرِ عِنْدَ قَوْمٍ، وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ بِاسْمِ التَّقْوَى فِي الشَّرْعِ، وَهُوَ الْمُعْنَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} [الأعراف: ٩٦] وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَتَنَزَّه عَمَّا يَشْغَلُ سِرَّهُ عَنْ الْحَقِّ وَيَتَبَتَّلُ إلَيْهِ بِشَرَّيْ شَرِّهِ أَيْ نَفْسِهِ وَجِسْمِهِ، وَهُوَ التَّقَوِّي الْحَقِيقِيُّ الْمَطْلُوبُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [آل عمران: ١٠٢] إلَخْ فَالتَّقْوَى فِي الْمَتْنِ إنْ أُرِيدَ بِهَا الْمَعْنَى الثَّانِي فَالْعَمَلُ مُغَايِرُهَا مَفْهُومًا وَيَلْزَمُهَا وُجُودًا إنْ أُرِيدَ بِهَا الْمَعْنَى الثَّالِثُ فَهُوَ يُغَايِرُهَا مَفْهُومًا وَيَنْفَكُّ عَنْهَا وُجُودًا أَيْ يُوجَدُ بِدُونِهَا انْتَهَى فَإِذَا عَلِمْت هَذَا كُلَّهُ فَنَقُولُ قَدْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّقْوَى الْمَعْنَى الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ وَلَا تَصِحُّ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ.

وَقَوْلُ الشَّارِحِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ إنْ قَصُرَ عَلَى أَمْرِ الْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ عَلَى نَهْيِ التَّحْرِيمِ فَهُوَ إشَارَةٌ لِلْمَعْنَى الثَّانِي، وَإِنْ عُمِّمَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ حَتَّى يَشْمَلَ نَهْيَ التَّحْرِيمِ وَنَهْيَ الْكَرَاهَةِ وَنَهْيَ خِلَافِ الْأَوْلَى فَيَكُونُ إشَارَةً لَهَا بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ (قَوْلُهُ نَوَاهِيهِ) جَمْعُ نَهْيٍ بِمَعْنَى مَنْهِيَّاتِهِ (قَوْلُهُ تَوَاضُعًا إلَخْ) أَيْ فَسَلَكَ مَسْلَكَ هَضْمِ النَّفْسِ وَكَسْرِهَا لَا مَسْلَكَ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ فَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ الْمَسْلَكَ الْأَوَّلَ وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ الْمَسْلَكَ الثَّانِيَ وَكِلَا الْمَسْلَكَيْنِ حَسَنٌ وَالْأَوَّلُ مَسْلَكُ الصُّوفِيَّةِ وَالثَّانِي مَسْلَكُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ قَالَهُ يُوسُفُ الْفِيشِيُّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَعَمَلُهُ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ إلَخْ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَتَقْوَاهُ وَقَوْلُهُ دِينُهُ أَيْ عِبَادَتُهُ.

(قَوْلُهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ إلَخْ) فَقَدْ مَرَّ بِشَوَّاءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ خَرُوفٌ شَوَاهُ فَنَادَاهُ وَأَمَرَهُ بِطَرْحِهِ لِلْكِلَابِ وَدَفَعَ لَهُ مَبْلَغًا فَكَانَ قَدْرَ ثَمَنِهِ وَقَالَ لَا تَعُدْ فَسُئِلَ الشَّوَّاءُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ اشْتَرَيْته بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَمَاتَ مِنْ اللَّيْلِ وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ فَشَوَيْته مَيِّتًا لِأَبِيعَهُ فَكَاشَفَنِي وَقَدْ تُبْت عَلَى يَدَيْهِ وَكَانَ جُنْدِيًّا يَلْبَسُ زِيَّ الْغُزَاةِ الْمُتَقَشِّفِينَ وَلَمَّا أَرَادَ الْكُفَّارُ أَخْذَ إسْكَنْدَرِيَّةَ فَبَعَثَ السُّلْطَانُ إلَيْهَا جُنْدًا لِدَفْعِهِمْ فَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ جُمْلَتِهِمْ (قَوْلُهُ كَشَيْخِهِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْمَنُوفِيُّ وَمُكَاشِفَاتُهُ ظَاهِرَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مُكَاشَفَتُهُ عَلَيْهِ حِينَ اشْتَغَلَ فِي صِغَرِهِ بِسِيرَةِ الْبَطَّالِ وَنَحْوِهَا فَكَاشَفَهُ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْآفَاتِ السَّهَرُ فِي الْخُرَافَاتِ (قَوْلُهُ {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: ٣٢] أَيْ تَزْكِيَةَ فَخْرٍ أَوْ تَزْكِيَةَ تَحَدُّثٍ بِالنِّعْمَةِ فَيَكُونُ إشَارَةً لِلطَّرِيقِ الْأُولَى طَرِيقِ الصُّوفِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ تَزْكِيَةَ فَخْرٍ لَا تَزْكِيَةَ تَحَدُّثٍ بِالنِّعْمَةِ فَيَكُونُ إشَارَةً لِلطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ.

(قَوْلُهُ وَيُقَالُ مَنْ رَضِيَ بِدُونِ قَدْرِهِ) أَيْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ، وَأَمَّا فِعْلًا فَكَانَ لَا يَجْلِسُ فِي الصَّدْرِ وَالْحَالُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ أَيْ رَضِيَ بِمَرْتَبَةٍ دُونَ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا قَدْرُهُ وَقَوْلُهُ رَفَعَهُ اللَّهُ فَوْقَ قَدْرِهِ أَيْ رَفَعَهُ اللَّهُ مَرْتَبَةً فَوْقَ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا قَدْرُهُ وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ لَهُ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ التَّوَاضُعَ إنْ كَانَ لِلَّهِ أَوْ لِرَسُولِهِ أَوْ الشَّيْخِ أَوْ الْوَالِدِ أَوْ السُّلْطَانِ أَوْ الْحَاكِمِ فَوَاجِبٌ وَلِسَائِرِ النَّاسِ مَنْدُوبٌ مَا لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ دُنْيَاهُمْ أَوْ ظُلْمِهِمْ فَحَرَامٌ إلَّا لِخَوْفٍ (قَوْلُهُ خَلِيلُ) بَدَلٌ مِنْ الْفَقِيرِ أَوْ الْمُضْطَرِّ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَعْتَ الْمَعْرِفَةِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا أُعْرِبَ بِحَسَبِ الْعَوَامِلِ وَأُعْرِبَتْ هِيَ بَدَلًا أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَصَارَ الْمَتْبُوعُ تَابِعًا وَنَعْتُ النَّكِرَةِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ٤] (قَوْلُهُ خَلِيلُ فَعِيلٌ) أَيْ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ.

(قَوْلُهُ مِنْ الْخُلَّةِ) أَيْ بِضَمِّ الْخَاءِ، وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَبِمَعْنَى الْحَاجَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ الْمَوَدَّةِ) أَيْ الْمَحَبَّةِ الصَّافِيَةِ أَيْ الْخَالِصَةِ مِنْ مُشَارَكَةِ الْأَغْيَارِ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَمَّى بِهِ الْمُؤَلِّفُ) أَيْ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، ثُمَّ سُمِّيَ الْمُؤَلِّفُ بِهِ هَذَا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ وَبَعْدُ فَيَجُوزُ فِي الْمَقَامِ أَمْرَانِ إلَخْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَجُوزُ) خُلَاصَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إبْقَاؤُهُ عَلَى عَلَمِيَّتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ تَنْكِيرُهُ (قَوْلُهُ فِي مَعْنَاهُ الْعَلَمِيِّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>