تَأْوِيلَانِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَظْهَرَ عِنْدِي أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْمَشْهُورِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَلَا يَقْصِدُ أَحَدٌ الْحَجَّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ الْخُرُوجِ لِبَلَدٍ وَلَا يُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ وَيُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ " وَقْتَ سَفَرٍ " الْوَقْتُ الْمُعْتَادُ لِلسَّفَرِ فِيهِ مِنْ مَحَلِّ الْحَالِفِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي هَذَا الْعَامِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ يَقْتَضِي جَرَيَانَ التَّأْوِيلَيْنِ فِيمَا إذَا عَيَّنَ الْعَامَ مَعَ أَنَّهُ فِي تَعْيِينِهِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا إلَّا إذَا جَاءَ وَقْتُ الْفِعْلِ وَلِذَلِكَ تَمَحَّلَ لَهُ بَعْضٌ بِقَوْلِهِ: قَوْلُهُ " فِي هَذَا الْعَامِ " مُتَعَلِّقٌ بِالْقَوْلِ الْمَدْخُولِ لِحَرْفِ الْجَرِّ لَا بِ " أَحُجَّ " أَيْ فِي قَوْلِهِ فِي هَذَا الْعَامِ إنْ لَمْ أَحُجَّ مَثَلًا لِأَنَّ الْكَافَ أَدْخَلَتْ أُمُورًا كَثِيرَةً فَصَارَ الْقَوْلُ مُقَيَّدًا، وَالْفِعْلُ - وَهُوَ الْحَجُّ - مَثَلًا مُطْلَقًا.
وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى حِنْثٍ مُطْلَقٍ يُمْنَعُ وَعَلَى مُؤَجَّلٍ لَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا مِنْ الْوَطْءِ خَشِيَ النَّقْضَ عَلَيْهِ بِمَسَائِلَ مِنْ ذَلِكَ يَتَنَجَّزُ الطَّلَاقُ فِي مُطْلَقِهَا وَمُؤَجَّلِهَا فَأَخْرَجَهَا بِقَوْلِهِ (ص) إلَّا إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ مُطْلِقًا أَوْ إلَى أَجَلٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِأَجَلٍ فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَمِثْلُهُ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَوْرِ وَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك السَّاعَةَ فَقَوْلُهُ إلَى أَجَلٍ هُوَ قَسِيمُ قَوْلِهِ " مُطْلِقًا " بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ غَيْرَ مُقَيِّدٍ بِأَجَلٍ وَيَصِحُّ فَتْحُهَا أَيْ قَالَ ذَلِكَ قَوْلًا مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا بِزَمَنٍ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ مُقَدَّرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ مُنِعَ مِنْهَا أَيْ مُنِعَ وَلَمْ يُنَجَّزْ إلَّا فِي كَذَا وَقَوْلُهُ " فَيُنَجَّزُ " قَرِينَةٌ عَلَى هَذَا الْمُقَدَّرِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَأْتِ بِالْعَاطِفِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا.
(ص) أَوْ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ أَوْ الْآنَ فَيُنَجَّزُ (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ إحْدَى أَلْبَتَّتَيْنِ وَاقِعَةٌ رَأْسَ الشَّهْرِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ إمَّا بِإِيقَاعِهِ ذَلِكَ عَلَيْهَا أَوْ بِمُقْتَضَى التَّعْلِيقِ فَهُوَ كَمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ.
وَكَذَلِكَ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ فَالْبَتَّةُ وَاقِعَةٌ إمَّا الْآنَ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُهُ فَيُنَجَّزُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ إلَّا إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ وَمَا بَعْدَهُ وَبَحَثَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَالَ: لَا يَلْزَمُ فِيهَا الْحَالِفَ شَيْءٌ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى إيقَاعِ أَلْبَتَّةَ رَأْسَ الشَّهْرِ بِوُقُوعِ أَلْبَتَّةَ الْآنَ فَلَهُ طَلَبُ تَحْصِيلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ إيقَاعُ أَلْبَتَّةَ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ فَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ تَرْكُ ذَلِكَ الطَّلَبِ وَاخْتِيَارُ الْحِنْثِ كَمَا لِكُلِّ حَالِفٍ فَإِذَا اخْتَارَهُ لَمْ يُمْكِنْ وُقُوعُ الْحِنْثِ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ زَمَانِ أَلْبَتَّةَ الْمَحْلُوفِ بِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهَا فِي زَمَانِ الْحَالِ الَّذِي عَادَ مَاضِيًا عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: وَمَا قَالَهُ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِمُضِيِّ زَمَنِهِ يَأْتِي عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ: إذَا كَلَّمْتُ فُلَانًا غَدًا أَنَّهُ إذَا كَلَّمَهُ غَدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَدَ مَضَى وَهِيَ زَوْجَةٌ وَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ.
وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ وَالطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ إذَا كَلَّمَهُ غَدًا وَلَيْسَ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْأَيَّامِ وَجْهٌ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ (وَيَقَعُ) أَيْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ طَلَاقِ أَلْبَتَّةَ نَاجِزًا فِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ.
(وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ) وَلَيْسَ لِتَعْلِيقِهِ بِالْأَيَّامِ وَجْهٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَطْلُبُ بَتَّةَ رَأْسِ الشَّهْرِ فَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ تَرْكُ بَتَّتِهِ وَطَلَبُ بَتَّةِ أَوَّلِهِ فَلَا تَقَعُ لِانْعِدَامِ زَمَنِهَا وَلَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ وُقُوعُ أَلْبَتَّةَ رَأْسَ الشَّهْرِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهَا الَّذِي هُوَ رَأْسُ الشَّهْرِ صَارَتْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: تَقْيِيدٌ لِلْمَشْهُورِ) الْمُنَاسِبُ تَقْيِيدٌ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَيْمَانَ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى الْمَقَاصِدِ) يَتَخَرَّجُ مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ ذَكَرُوهَا هُنَا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا جَاءَ الْوَقْتُ الْمُعْتَادُ وَلَمْ يَخْرُجْ فَلَمَّا قَدِمَ الْحَاجُّ أَقَامَ بَيِّنَةً شَرْعِيَّةً أَنَّهُ فَعَلَ مَعَ الْحَجِّ أَفْعَالَ الْحَجِّ وَادَّعَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْخُطْوَةِ بَلَّغَهُ ذَلِكَ فَلَا يَبَرُّ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ سَقَطَ عَنْهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَبَرَّ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا الْعُرْفُ وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ هَذَا مُحَصَّلُ مَا فِي شَرْحِ عب وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَيْ مِمَّا لَهُ وَقْتٌ (قَوْلُهُ: تَمَحَّلَ لَهُ بَعْضٌ) أَيْ تَكَلَّفَ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي قَوْلِهِ فِي هَذَا الْعَامِ) لَا يُقَالُ إنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ قَوْلَ كُلِّ حَالِفٍ وَاقِعٌ فِي عَامِهِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا جَوَابٌ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ ذَكَرَهُ الْفِيشِيُّ وَكَانَ الْأَحْسَنُ حَذْفَهَا (قَوْلُهُ: أَدْخَلَتْ الْكَافُ أُمُورًا كَثِيرَةً) عِلَّةٌ لِتَقْدِيرِ " مَثَلًا ".
(قَوْلُهُ: بِكَسْرِ اللَّامِ) أَيْ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ مُطْلِقًا فِي ذَلِكَ أَيْ غَيْرَ مُقَيِّدٍ بِأَجَلٍ (قَوْلُهُ: لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: إلَّا إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا إلَخْ وَقَوْلُهُ: إلَّا إنْ لَمْ أُطَلِّقْك إلَخْ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُنَجَّزْ.
(قَوْلُهُ: إمَّا بِإِيقَاعِهِ) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ (قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ) هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ إمَّا الْآنَ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ إلَخْ) لِأَنَّهُ حَكَى اللَّخْمِيُّ فِيهَا الْخِلَافَ فَقَدْ قَالَ وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الْهِلَالِ ثَلَاثًا فَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ الْآنَ وَتَبْقَى حَتَّى يَبَرَّ بِفِعْلِ الطَّلَاقِ الَّذِي حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ وَقِيلَ: يُعَجَّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْآنَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغَدَ مَضَى وَهِيَ زَوْجَةٌ) الْأَوْلَى لِأَنَّ الْيَوْمَ مَضَى وَهِيَ زَوْجَةٌ (قَوْلُهُ: لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْأَيَّامِ) أَيْ لِارْتِبَاطِ الطَّلَاقِ بِالْأَيَّامِ أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَضَى زَمَنُهَا) أَيْ زَمَنُ أَحَدِ فَرْدَيْهَا الَّذِي هُوَ أَوَّلُ الشَّهْرِ