وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ تَبِعَ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحَدِّهِ بَلْ تَعَرَّضَ لِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ بِقَوْلِهِ (ص) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا (ش) اعْلَمْ أَنَّ لِلْبَيْعِ أَرْكَانًا ثَلَاثَةً الصِّيغَةَ وَالْعَاقِدَ وَهُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ خَمْسَةٌ وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ إمَّا لِقِلَّتِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ أَوَّلَهَا فِي الْوُجُودِ وَبَعْدَهُ يَحْصُلُ تَقَابُضُ الْعِوَضَيْنِ وَالْمَعْنَى تَثْبُتُ وَتُوجَدُ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ بِسَبَبِ وُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْعَاقِدِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ غَيْرَ أَعْمَى عَرَبِيٍّ أَوْ عَجَمِيٍّ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ أَخْرَسَ أَعْمَى مُنِعَتْ مُعَامَلَتُهُ وَمُنَاكَحَتُهُ لِتَعَذُّرِ الْإِشَارَةِ مِنْهُ وَبِعِبَارَةٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ فِعْلٍ مِنْهُمَا أَوْ قَوْلٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَفِعْلٍ مِنْ الْآخَرِ أَوْ إشَارَةٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ جَانِبٍ وَقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مِنْ الْآخَرِ، وَدَخَلَتْ فِيهِ الدَّلَالَةُ الْمُطَابِقِيَّةُ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْت وَالتَّضَمُّنِيَّةُ كَخُذْ وَهَاتِ وَالِالْتِزَامِيَّة كَعَاوَضْتُكَ هَذَا بِهَذَا وَالْعُرْفِيَّةُ كَالْمُعَاطَاةِ وَقَوْلُهُ بِمَا أَيْ بِشَيْءٍ أَوْ بِالشَّيْءِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَتُفَسَّرُ بِنَكِرَةٍ أَوْ بِمَعْرِفَةٍ وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ أَيْ بِكُلِّ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ) زَائِدَةٌ أَيْ وَإِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
لَانْفَسَخَ بَيْعُهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ انْتَهَى.
وَالْعَيْنُ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ خَاصَّةٌ بِالْمَضْرُوبِ فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ إذَا لَمْ يَكُونَا مَسْكُوكَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ فَتَصِيرُ هَذِهِ الصُّورَةُ كَمَسْأَلَةِ عَرْضٍ فِي عَرْضٍ وَفِي الْقَامُوسِ مَا يُفِيدُ إطْلَاقَ الْعَيْنِ عَلَى الذَّهَبِ غَيْرِ الْمَضْرُوبِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ عَائِدٌ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالْمُمَاكَسَةُ قَرِيبٌ مِنْهَا كَمَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ تَمَاكَسَ الْمُتَبَايِعَانِ تَشَاحَّا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ إلَخْ) هَذَا التَّرَجِّي ضَعِيفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ شَأْنَ الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْحَقَائِقِ وَلَوْ كَانَتْ نَظَرِيَّةً (قَوْلُهُ بَلْ تَعَرَّضَ لِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ) أَمَّا التَّعَرُّضُ لِشُرُوطِهِ فَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَشُرِطَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ طَهَارَةٌ وَأَمَّا الْأَرْكَانُ فَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهَا إلَّا الصِّيغَةَ الْمُشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَقَوْلُهُ وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُذْكَرُ بَعْدَ الْبَقِيَّةِ صَرِيحًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ.
(قَوْلُهُ وَبِهِ يَحْصُلُ تَقَابُضُ الْعِوَضَيْنِ) أَيْ وَبِهِ يَحْصُلُ الْعِوَضَانِ الْمَقْبُوضَانِ أَيْ اللَّذَيْنِ شَأْنُهُمَا الْقَبْضُ، وَإِلَّا فَقَدْ يَتَأَخَّرُ قَبْضُ الْمُثَمَّنِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ وَتُوجَدُ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ تَثْبُتُ وَتُوجَدُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْبَيْعُ عَقْدٌ فَلَا يَصِحُّ التَّعْبِيرُ بِيَنْعَقِدُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِانْعِقَادِ الثُّبُوتُ وَالْوُجُودُ وَعَطْفُ تُوجَدُ عَلَى تَثْبُتُ عَطْفُ مُرَادِفٍ.
(قَوْلُهُ وَتُوجَدُ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ) ثُمَّ أَقُولُ وَبَعْدُ فَفِي الْكَلَامِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ بَائِعًا وَالْمُشْتَرِي بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُشْتَرِيًا وَالثَّمَنُ بِوَصْفِ كَوْنِهِ ثَمَنًا وَالْمُثَمَّنُ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُثَمَّنًا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْبَيْعِ كَيْفَ، وَقَدْ جُعِلَتْ مِنْ أَرْكَانِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّك إذَا نَظَرْت لِذَاتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَتَجِدُهَا مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْعَقْدِ الْمُسَمَّى بِكَوْنِهِ بَيْعًا وَإِنْ نَظَرْت لَهَا بِاعْتِبَارِ وَصْفِهَا الْمَذْكُورِ فَتَجِدُهَا مُتَأَخِّرَةً فَلَا يَظْهَرُ عَدُّهَا أَرْكَانًا لِذَلِكَ الْعَقْدِ ثُمَّ لَوْ جُعِلَتْ أَرْكَانًا عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّسَامُحِ أَيْ أَنَّ وُجُودَ حَقِيقَتِهِ تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَوَاتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكَانَ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ إنْ كَانَ أَخْرَسَ أَعْمَى) ، أَيْ لِأَنَّ شَأْنَ الْأَخْرَسِ عَدَمُ السَّمَاعِ وَإِلَّا فَلَوْ وُجِدَ السَّمَاعُ مَا امْتَنَعَ.
وَأَمَّا مَا عَلَّلَ بِهِ بِقَوْلِهِ لِتَعَذُّرِ الْإِشَارَةِ فَلَا يَنْتِجُ الْمَنْعُ لِوُجُودِهِ فِي الْأَعْمَى فَقَطْ وَقَوْلُهُ مِنْهُ مِنْ بِمَعْنَى اللَّامِ فَفِي الْحَقِيقَةِ الْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ تَعَذُّرُ الْإِشَارَةِ لَهُ (قَوْلُهُ أَوْ فَعْلٍ) أَيْ غَيْرِ إشَارَةٍ كَالْكِتَابَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِعْلٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ سِتُّ صُوَرٍ غَيْرُ صُورَةِ الْمُعَاطَاةِ وَهِيَ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ كِتَابَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ الْمُطَابِقِيَّةُ) أَيْ الصَّرِيحَةُ (قَوْلُهُ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْت) أَيْ أَنَّ حُصُولَ اللَّفْظَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ الْبَائِعِ وَالْأُخْرَى مِنْ الْمُشْتَرِي يَدُلُّ مُطَابَقَةً عَلَى الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ وَالتَّضَمُّنِيَّةُ لَمْ يُرِدْ بِهَا اصْطِلَاحَ أَهْلِ الْمَنْطِقِ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى جَزْءِ الْمَعْنَى بَلْ أَرَادَ بِهَا الِالْتِزَامِيَّةَ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ حَيْثُ عَطَفَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ الِالْتِزَامِيَّةُ تُنَافِي ذَلِكَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّضَمُّنِيَّةَ وَالِالْتِزَامِيَّة فِي الْمَقَامِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ثُمَّ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْبَيْعَ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ الْمُتَوَقِّفُ حُصُولُهُ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَهَذَا مَفْهُومُ مُطَابَقَةٍ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ خُذْ هَذَا وَائْتِ بِهَذَا إلَّا الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ فَكَيْفَ يَقُولُ مُطَابِقِيَّةٌ وَتَضَمُّنِيَّةٌ وَالْتِزَامِيَّةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بالمطابقية مَا دَلَّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً مِنْ حَيْثُ الْعِنْوَانُ وَهُوَ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَرَادَ بِالتَّضَمُّنِيَّةِ مَا دَلَّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً إلَّا أَنَّهَا أَخْفَى مِنْ الْأُولَى، وَأَرَادَ بِالدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ مَا دَلَّ دَلَالَةً إلَّا أَنَّهَا أَخْفَى مِنْ التَّضَمُّنِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ وَإِنْ دَلَّتْ دَلَالَةً ظَاهِرَةً أَظْهَرُ مِنْ خُذْ وَهَاتِ إلَّا أَنَّهَا يَحْسِبُ الْعَوَامُّ فِيهَا خَفَاءً هَذَا غَايَةُ مَا يُتَمَحَّلُ فِي الْمَقَامِ وَاَللَّهُ يُلْهِمُنَا الصَّوَابَ.
(قَوْلُهُ وَاشْتَرَيْت) يَدُلُّ مُطَابَقَةً عَلَى الرِّضَا بِالْإِدْخَالِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَى إلَخْ) ، وَأَمَّا النَّكِرَةُ فَقَدْ تَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَنْ يَكُونَ فِعْلٌ مِنْ أَحَدِهِمَا وَمِنْ الْآخَرِ قَوْلٌ فَاسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَلَوْ قَالَ وَإِنْ إعْطَاءً كَانَ أَوْلَى أَيْ وَإِنْ كَانَ الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا إعْطَاءً (قَوْلُهُ زَائِدَةٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ زِيَادَةَ الْبَاءِ فِي خَبَرِ كَانَ نَادِرَةٌ كَمَا قَالَهُ النَّحْوِيُّونَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ مَعَ تَقْدِيرِ كَانَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مُلْتَبِسًا بِمُعَاطَاةٍ مِنْ الْتِبَاسِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ وَقَالَ بَعْضٌ هَذَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ إذْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ وَإِنْ حَصَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute