كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: ٢٠] أَيْ بَاعُوهُ فَفَرَّقَ بَيْنَ شَرَى وَاشْتَرَى، وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ ضَرُورِيَّةٌ حَتَّى لِلصِّبْيَانِ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ ضَرُورَةً وُجُودُهُ عِنْدَ وُقُوعِهِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِلْمُ حَقِيقَتِهِ، ثُمَّ قَالَ الْبَيْعُ الْأَعَمُّ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ فَتَخْرُجُ الْإِجَارَةُ وَالْكِرَاءُ وَالنِّكَاحُ وَتَدْخُلُ هِبَةُ الثَّوَابِ وَالصَّرْفُ وَالْمُرَاطَلَةُ وَالسَّلَمُ وَالْغَالِبُ عُرْفًا أَخَصُّ مِنْهُ بِزِيَادَةِ ذُو مُكَايَسَةٍ أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ مُعَيَّنٌ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ فَتَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ إلَخْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَشَرَوْهُ} [يوسف: ٢٠] أَيْ بَاعُوهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ لِإِخْوَةِ يُوسُفَ وَالْوَاقِعُ مِنْهُمْ الْبَيْعُ لَا الشِّرَاءُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ضَمِيرَ بَاعُوهُ لِلْآخِذِينَ لِيُوسُفَ وَالْوَاقِعُ مِنْهُمْ الْبَيْعُ لَا الشِّرَاءُ وَالْآخِذُونَ لَهُ إخْوَتُهُ مِنْ السَّيَّارَةِ الَّذِينَ أَخْرَجَهُ وَارِدُهُمْ حِينَ أَدْلَى دَلْوَهُ، وَقَالَ إخْوَتُهُ هُوَ غُلَامُنَا سُرِقَ مِنَّا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ خَوْفًا مِنْهُمْ، ثُمَّ بَاعُوهُ لِلسَّيَّارَةِ فَلَوْ جَعَلَ ضَمِيرَ شَرَوْهُ لِلسَّيَّارَةِ لَمْ يَلْتَئِمْ مَعَ قَوْلِهِ {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: ٢٠] إذْ الزَّاهِدُونَ فِيهِ إخْوَتُهُ لَا السَّيَّارَةُ وَإِنْ جَعَلَ ضَمِيرَ شَرَوْهُ لِلسَّيَّارَةِ وَضَمِيرَ كَانُوا لِأُخُوَّتِهِ لَزِمَ تَشْتِيتُ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ. اهـ.
(أَقُولُ) لَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ السَّيَّارَةَ يَتَّصِفُونَ بِأَنَّهُمْ زَاهِدُونَ فِيهِ لِاشْتِرَائِهِمْ لَهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يُظَنُّ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَدُومُ لَهُمْ ثُمَّ وَجَدْت ذَلِكَ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ (قَوْلُهُ فَفَرَّقَ بَيْنَ شَرَى وَاشْتَرَى) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ اشْتَرَى لِلْإِدْخَالِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا شَرَى فَهُوَ لِلْإِخْرَاجِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا} [البقرة: ٩٠] (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا) كَأَنَّهُ يَقُولُ أَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً فَقَدْ عَرَفْته (قَوْلُهُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ) أَيْ مَعْرِفَةُ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ ضَرُورَةً) أَيْ لَا تَحْتَاجُ لِلنَّظَرِ وَلَا لِلِاسْتِدْلَالِ فَلَا تَحْتَاجُ لِتَعْرِيفٍ (قَوْلُهُ وُجُودُهُ عِنْدَ وُقُوعِهِ) فِيهِ أَنَّ وُجُودَهُ عَيْنُ وُقُوعِهِ وَثُبُوتِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وُجُودُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ أَوْ وُقُوعُهُ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّكَّةِ فَلَوْ حَذَفَ عِنْدَ وُقُوعِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ (أَقُولُ) وَلَوْ قَالَ إنَّ الْمَعْلُومَ حَقِيقَتُهُ عَلَى الْإِجْمَالِ لَا عَلَى التَّفْصِيلِ لَكَانَ أَحْسَنَ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِلْمُ حَقِيقَتِهِ) أَيْ بِالْجِنْسِ وَالْفَصْلِ.
(قَوْلُهُ الْبَيْعُ الْأَعَمُّ) الْأَعَمُّ صِفَةُ الْبَيْعِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ وَحَدُّ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ عَقْدُ إلَخْ مِثْلُ قَوْلِكَ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَقَوْلِنَا حَدُّ الْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ فَيَتَعَيَّنُ حَذْفُ الْمُضَافِ (قَوْلُهُ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ) أَيْ تَحْصِيلًا أَوْ تَرْكًا لِيَشْمَلَ الْخُلْعَ وَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ زِيَادَتِهِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُطْلَقُ عَلَى مُتْعَةِ اللَّذَّةِ وَهُوَ الْكَثِيرُ فِي كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلَا حَاجَةَ لَهُ (قَوْلُهُ فَتَخْرُجُ الْإِجَارَةُ وَالْكِرَاءُ) أَيْ بِقَوْلِهِ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ شِرَاءُ مَنَافِعِ الْحَيَوَانِ الْعَاقِلِ وَالْكِرَاءَ شِرَاءُ مَنَافِعِ غَيْرِ الْعَاقِلِ، وَقَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ أَيْ بِقَوْلِهِ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ.
(قَوْلُهُ وَتَدْخُلُ هِبَةُ الثَّوَابِ) وَكَذَا تَدْخُلُ الْمُبَادَلَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ فِي الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى أَعْنِي تَوْلِيَةَ الْبَعْضِ وَالْقِسْمَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَالشَّرِكَةَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ وَلَا تَدْخُلُ الشُّفْعَةُ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّهَا اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ أَخْذَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ الَّتِي بَاعَهَا بِثَمَنِهَا قَالَهُ الْحَطَّابُ (قَوْلُهُ وَالصَّرْفُ) هُوَ دَفْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْآخَرِ كَدَفْعِ ذَهَبٍ فِي مُقَابَلَةِ فِضَّةٍ وَبِالْعَكْسِ وَقَوْلُهُ وَالْمُرَاطَلَةُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ بِالْمِيزَانِ بِأَنْ يَضَعَ ذَهَبَ هَذَا فِي كِفَّةٍ وَالْآخَرَ فِي كِفَّةٍ حَتَّى يَعْتَدِلَا فَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَهَبَ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ وَالْغَالِبُ عُرْفًا) أَيْ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ كَمَا أَفَادَهُ فِي ك.
(قَوْلُهُ مُعَيَّنٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِعَقْدٍ فَإِنَّهُ مُضَافٌ لِنَكِرَةٍ فَلَا يَتَعَرَّفُ فَصَحَّ وَصْفُهُ بِالنَّكِرَةِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ الْعَيْنِ نَائِبُ فَاعِلِ مُعَيَّنٌ وَفِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِمُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ فَتَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ إلَخْ) أَعْنِي هِبَةَ الثَّوَابِ بِقَوْلِهِ ذُو مُكَايَسَةٍ إذْ لَا مُكَايَسَةَ أَيْ مُغَالَبَةَ فِيهَا وَالصَّرْفُ وَالْمُرَاطَلَةُ بِقَوْلِهِ أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَالْمُسْلَمُ بِقَوْلِهِ مُعَيَّنٌ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ فِي السَّلَمِ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَشَمَلَ الْمُعَيَّنَ الْغَائِبَ الْمَبِيعَ بِالصِّفَةِ وَنَحْوَهُ لَا الْحَاضِرَ فَقَطْ حَتَّى يَرِدَ أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَكُونُ لِغَائِبٍ بِشُرُوطِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ سَلَمُ عَرْضٍ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ وَهُوَ الْعَرْضَانِ مَعًا لَمْ يَتَعَيَّنَا بَلْ أَحَدُهُمَا وَهُوَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ فَصَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ غَيْرُ الْعَيْنِ أَيْ جَمِيعُهُ بَلْ بَعْضُهُ فَلَمْ تَدْخُلْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي التَّعْرِيفِ الْأَخَصِّ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ فِيهِ كَصُلْحٍ عَنْ دَيْنِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِعَرْضٍ يُسَاوِي ذَلِكَ أَوْ يُقَارِبُهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ وَالسَّلَمُ فِي حَائِطٍ مُعَيَّنَةٍ مَعَ أَنَّهُ سَلَمٌ انْتَهَى، وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِالْتِزَامِ دُخُولِ الْأَوَّلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ كَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بَيْعٌ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَائِطِ لَا لِعَيْنِ الْمُشْتَرَى وَهُوَ الثَّمَنُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إجْمَالٌ فِي قَوْلِهِ مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ التَّعْيِينِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْكَامِلُ، أَوْ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ نَادِرَةٌ وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا شُرُوطًا تَخُصُّهَا غَيْرَ شُرُوطِ السَّلَمِ فِي غَيْرِهَا أَوْ أَنَّ فِي إطْلَاقِ السَّلَمِ عَلَيْهَا تَجَوُّزًا انْتَهَى.
وَفِي الْأَوَّلِ نَظَرٌ لِمَنْعِهِمْ تَسْمِيَةَ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ بَيْعًا فِي غَالِبِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ وَالْمُرَاطَلَةَ وَمَا مَعَهَا أَقْرَبُ إلَى الدُّخُولِ فِيهِ مِنْهُ فَحَيْثُ أُخْرِجَتْ فَهُوَ أَحْرَى وَكَوْنُهُ بَيْعًا إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَالْمُكَايَسَةُ الْمُغَالَبَةُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ يَصْدُقُ بِمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَدَفْعُ عَرْضٍ فِي مَعْلُومِ قَدْرٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ غَيْرِ مَسْكُوكٍ لِأَجَلٍ سَلَمٌ لَا بَيْعٌ لِأَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ لَمْ يَنْفَسِخْ بَيْعُهُ وَلَوْ كَانَ بَيْعَ مُعَيَّنٍ