للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْمَفْهُومِ وَعَلَيْهِ دَرَجَ الشَّارِحُ وَمَنْ وَافَقَهُ أَيْ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ التَّمْيِيزِ بِسَبَبِ سُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ.

وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَيْعَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ غَيْرُ صَحِيحٍ إمَّا اتِّفَاقًا عِنْدَ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ فَالْمُنَاسِبُ لِلِاخْتِصَارِ وَالْمُطَابِقُ لِمَا تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى الْجَزْمُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَتَرْكُ ذِكْرِ التَّرَدُّدِ وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهُ صَحِيحًا عَلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّهُ أَشَارَ بِهِ لِطَرِيقَةِ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَلِطَرِيقَةِ ابْنِ شَعْبَانَ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا ضَعِيفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ صِحَّةَ كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ الْحَرَامُ وَهُوَ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهُ حَيْثُ كَانَ مُتَعَدِّيًا عَالِمًا أَمَّا إنْ شَرِبَهُ غَيْرَ عَالِمٍ أَوْ لِلتَّدَاوِي فَكَالْمَجْنُونِ

(ص) وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ (ش) عَطْفٌ عَلَى عَاقِدِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ عَلَى الصِّحَّةِ الْمُقَدَّرَةِ فِي قَوْلِهِ وَشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ لَا يُقَابِلُ الْعَاقِدَ فَيُعْطَفُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقَابِلُ الصِّحَّةَ فَلِذَلِكَ صَحَّ الْعَقْدُ وَالْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ لُزُومِ الْبَيْعِ أَنْ يَصْدُرَ مِنْ مُكَلَّفٍ وَهُوَ الرَّشِيدُ الطَّائِعُ فَإِنْ صَدَرَ مِنْ غَيْرِهِ كَصَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ مُكْرَهٍ لَمْ يَلْزَمْ وَإِنْ صَحَّ (ص) لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا (ش) يُرِيدُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ طَائِعًا وَأَمَّا إذَا أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ طَلَبُ مَالٍ ظُلْمًا فَبَاعَ شَيْئًا لِوَفَائِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَاحْتَرَزَ بِالْجَبْرِ الْحَرَامِ مِنْ الْجَبْرِ الشَّرْعِيِّ كَجَبْرِ الْقَاضِي الْمِدْيَانِ عَلَى الْبَيْعِ لِوَفَاءِ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْمُنْفِقِ لِلنَّفَقَةِ وَالْخَرَاجِ الْحَقِّ فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ جَائِزٌ لَازِمٌ وَجَائِزٌ شِرَاؤُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فَيُلْجَأُ إلَى بَيْعِ مَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ فَكَالْإِكْرَاهِ الظُّلْمُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَمِنْ الْإِكْرَاهِ الْحَقِّ الْجَبْرُ عَلَى بَيْعِ الْأَرْضِ لِلطَّرِيقِ أَوْ لِتَوْسِيعِ الْمَسْجِدِ وَالطَّعَامِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَلِلْمُكْرَهِ إكْرَاهًا حَرَامًا أَنْ يَلْزَمَ

ــ

[حاشية العدوي]

مِنْ الْإِقْرَارَاتِ وَالْعُقُودِ إذَا لَمْ يَلْزَمْ السَّفِيهَ وَالصَّبِيَّ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِمَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمَ السَّكْرَانَ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ بِالسُّكْرِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ يَلْزَمُهُ وَلَا يَسْقُطُ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا ضَعِيفًا) أَيْ فِي طَرِيقَةِ ابْنِ شَعْبَانَ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ طَرَفَيْ التَّرَدُّدِ طَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَطَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ وَهَذَا التَّرَدُّدُ غَيْرُ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَبِالتَّرَدُّدِ إلَخْ أَيْ فَهُوَ مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ وَالْغَالِبُ مَا تَقَدَّمَ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَقُولُ إلَّا بِسُكْرٍ فَطَرِيقَتَانِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ الْحَرَامُ) الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْحَرَامِ الْمُغَيِّبِ لِلْعَقْلِ حَتَّى يَشْمَلَ الْمُفْسِدَ وَالْمُرْقِدَ لَا خُصُوصَ ذُهُولِ الْعُقُولِ مَعَ نَشْأَةٍ وَطَرَبٍ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ) كَلَبَنٍ حَامِضٍ وَكَذَا الْمُرَقِّدُ وَالْمُخَدِّرُ وَقَوْلُهُ حَيْثُ كَانَ رَاجِعٌ لِلْخَمْرِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ عَالِمًا) حَالٌ لَازِمَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ عَالِمٌ وَقَوْلُهُ أَوْ لِلتَّدَاوِي أَيْ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُنَاوِيُّ مَا نَصُّهُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حِلُّ التَّدَاوِي بِكُلِّ نَجَسٍ إلَّا الْخَمْرَ وَالْخَبَرُ مَوْضِعُهُ إذَا وُجِدَ دَوَاءٌ طَاهِرٌ يُغْنِي عَنْ النَّجَسِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ انْتَهَى وَالْخَبَرُ هُوَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «وَلَا تُدَاوِي بِحَرَامٍ» فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ لِلتَّدَاوِي أَيْ مُقَلِّدًا مَنْ يَرَى الْجَوَازَ لِلتَّدَاوِي

(قَوْلُهُ وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ) وَبَقِيَ شَرْطَانِ لِلُّزُومِ أَحَدُهُمَا فِي الْعَاقِدِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَالِكًا مِلْكًا تَامًّا لِمَا بَاعَهُ أَوْ وَكِيلًا عَنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَمِلْكُ غَيْرِهِ عَلَى رِضَاهُ وَثَانِيهِمَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ بِدَلِيلٍ وَالْعَبْدُ الْجَانِي عَلَى مُسْتَحِقِّهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ الرَّشِيدُ الطَّائِعُ) يَعْنِي مَعَ الْبُلُوغِ أَوْ أَرَادَ بِالرُّشْدِ مَا يَشْمَلُ الْبُلُوغَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ إلَخْ مُخْرِجًا مِنْ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ وَهُوَ الطَّوَاعِيَةُ وَفِيهِ أَنَّهُ حَمَلَ لَهُ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الْمَشْهُورِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا لِدَلِيلٍ فَقَوْلُهُ وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ أَيْ وَرُشْدٌ وَطَوَاعِيَةٌ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ وَهُوَ شَامِلٌ لِلسَّفِيهِ وَعَلَى الثَّانِي قَوْلُهُ الْآتِي لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُهُ.

(قَوْلُهُ لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَا يَلْزَمُ فَقَوْلُهُ لَا إنْ أُجْبِرَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ أَيْ فَكُلُّ رَشِيدٍ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ إنْ طَاعَ شَرْعًا لَا إنْ أُجْبِرَ وَقَوْلُنَا إنْ طَاعَ شَرْعًا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أُكْرِهَ بِحَقٍّ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى سَبَبِهِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبَيْعِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا أَوْ يُقَالُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْبَيْعِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا.

(قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ إلَخْ) لَكِنْ حُرْمَةُ الْمُسْلِمِ أَشَدُّ وَإِذَا ثَبَتَ الْجَبْرُ لَمْ يَلْزَمْ سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِجَبْرِهِ وَسَوَاءٌ بَاعَ الْمَضْغُوطَ أَيْ الْمَظْلُومَ بِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَهُ قَرِيبُهُ أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ أَمَّا لَوْ بَاعَ قَرِيبُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ مَالَ نَفْسِهِمَا لِتَخْلِيصِهِ وَلَوْ مِنْ الْعَذَابِ فَلَيْسَ بَيْعَ مَضْغُوطٍ لِاخْتِيَارِهِمَا فِي ذَلِكَ إلَّا الْوَالِدَيْنِ إذَا عُذِّبَ وَلَدُهُمَا فَبَاعَا أَوْ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِمَا فَإِنَّهُ إكْرَاهٌ سَوَاءٌ أُخْرِجَ لِلْبَيْعِ مَقْبُوضًا عَلَيْهِ أَوْ مُسَرَّحًا بِكَفِيلٍ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ هَرَبَ خَلْفَهُ الظَّالِمُ إلَى مَنْزِلِهِ بِالْأَخْذِ وَالْمَعَرَّةِ فِي أَهْلِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا بَاعَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيَ الْبَيْعَ أَوْ وُكِّلَ عَلَيْهِ وَلَا يُفِيتُ بَيْعَ الْمَضْغُوطِ تَدَاوُلُهُ الْأَمْلَاكَ وَلَا عِتْقُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَكَذَا لَوْ تَسَلَّفَ الْمَضْغُوطُ مَا ضُغِطَ فِيهِ مِنْ رَجُلٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا تَسَلَّفَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ.

(قَوْلُهُ لِتَوْسِيعِ الْمَسْجِدِ) أَيْ مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَالطَّعَامِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ سُوقِ بَلَدِهِ وَأَضَرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ فِي وَقْتِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَهْلَ سُوقِهِ أَوْ غَيْرَهُمْ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ شُرُوطِ شَرِكَةِ الْجَبْرِ الْآتِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ثَمَنَهُ فَسِعْرُ يَوْمِهِ أَيْ يَوْمِ الْبَيْعِ فِي وَقْتِ الضَّرَرِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ وَقْتُ الشِّرَاءِ لَا ضَرَرَ فِي الشِّرَاءِ ثُمَّ اُضْطُرَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ وَقْتَ الضَّرُورَةِ بِسِعْرِ وَقْتِهِ، وَأَمَّا إنْ احْتَكَرَ مَا زَرَعَهُ أَوْ جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَقَالَ الْبَاجِيُّ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ احْتِكَارِهِ كَانَ ذَلِكَ ضَرُورَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَرَوَى مُحَمَّدٌ يَبِيعُ هَذَا مَتَى شَاءَ وَيُمْسِكُ إذَا شَاءَ وَلَوْ بِالْمَدِينَةِ.

وَظَاهِرُ الْعُتْبِيَّةِ وَقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إذَا وَقَعَتْ الشِّدَّةُ أُمِرَ أَهْلُ الطَّعَامِ بِإِخْرَاجِهِ مُطْلَقًا كَانَ مِنْ زِرَاعَةٍ أَوْ جَلَبٍ خِلَافُ مَا قَالَ الْبَاجِيُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>