قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَفْهُومُ تَسَوُّقٍ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ فَإِنَّ غَيْرَ الْمَوْقُوفَةِ لِلسَّوْمِ يُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّهَا أَنَّهُ كَانَ لَاعِبًا بِلَا يَمِينٍ وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ بِيَمِينٍ ضَعِيفٌ، وَالْمَوْقُوفَةُ فِي غَيْرِ سُوقِهَا الْمُعَدِّ لَهَا حُكْمُهَا حُكْمُ غَيْرِ الْمُتَسَوَّقِ بِهَا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَقَالَ: بِكَمْ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ: بِكَمْ تَبِيعُهَا لِي فَيَنْبَغِي لُزُومُ الْبَيْعِ
(ص) وَشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ (ش) الضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَاقِدٌ عَائِدٌ عَلَى الْبَيْعِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ وَالْمُرَادُ بِالْعَاقِدِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ عَقْدِ عَاقِدِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي التَّمْيِيزُ، وَهُوَ إذَا كَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ وَأَحْسَنَ الْجَوَابَ عَنْهُ فَلَا يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِصِبًا أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ وَالْمُؤَلِّفِ وَابْنِ رَاشِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَقْدُ الْمَجْنُونِ حَالَ جُنُونِهِ يَنْظُرُ لَهُ السُّلْطَانُ بِالْأَصْلَحِ فِي إتْمَامِهِ وَفَسْخِهِ إنْ كَانَ مَعَ مَنْ يَلْزَمُهُ عَقْدُهُ، وَاسْتَدَلَّ بِأَشْيَاءَ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَقْدَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا مِنْ جِهَةٍ دُونَ جِهَةٍ كَعَقْدِ رَشِيدٍ مَعَ عَبْدٍ، وَأَمَّا كَوْنُهُ صَحِيحًا مِنْ جِهَةٍ دُونَ جِهَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا إذْ لَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْرَفْ التَّمْيِيزُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْيِيزُ التَّامُّ فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ.
قَوْلُهُ (ص) إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ (ش) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَتَحَصَّلُ فِي بَيْعِ السَّكْرَانِ وَشِرَائِهِ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ إنْ كَانَ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ أَصْلًا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ أَيْ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ وَعَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ تَمْيِيزٌ أَيْ نَوْعٌ مِنْ التَّمْيِيزِ فَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ بَيْعِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الطُّرُقُ فِي لُزُومِهِ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ، وَعَزَاهُ فِي الْمُعَلِّمِ لِجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا إذَا عَلِمْت هَذَا.
فَلَوْ أَسْقَطَ الْمُؤَلِّفُ قَوْلَهُ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ لَكَانَ أَخْصَرَ وَوَافَقَ الْمُعْتَمَدَ وَسَلِمَ مِمَّا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنْ كَانَ مِنْ الْمَنْطُوقِ فَالْبَاءُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى مَعَ، وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ حِينَئِذٍ نَوْعٌ مِنْهُ لَا غَيْبُوبَةُ الْعَقْلِ الْمُنَافِيَةُ لِلتَّمْيِيزِ أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّمْيِيزُ مَعَ سُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ بَيْعِ السَّكْرَانِ الْمُمَيِّزِ أَيْ صِحَّتِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي لُزُومِهِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي انْعِقَادِهِ فَلَا تَصِحُّ حِكَايَةُ التَّرَدُّدِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ
ــ
[حاشية العدوي]
مِائَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ فَهَلْ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَمْ لَا وَحَرِّرْ
(قَوْلُهُ عَائِدٌ عَلَى الْبَيْعِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ) الْأَوْلَى عَلَى الْبَيْعِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَقَدْ يُقَالُ لِمَا بَعْدَ الْمَرْجِعِ جَعَلَ الضَّمِيرَ عَائِدًا عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ السِّيَاقِ (قَوْلُهُ صِحَّةَ عَقْدِ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُضَافَيْنِ مَحْذُوفَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلُزُومُهُ وَلِأَنَّ الَّذِي يَتَّصِفُ بِالصِّحَّةِ الْعَقْدُ لَا الْعَاقِدُ (قَوْلُهُ التَّمْيِيزُ) وَلَا يَنْضَبِطُ بِحَدٍّ (قَوْلُهُ وَهُوَ إذَا كَلَّمَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّمْيِيزَ لَيْسَ هُوَ إذَا كَلَّمَ فَيَحْتَاجُ لِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ وَهُوَ ذُو إذَا كَلَّمَ إلَخْ أَيْ هُوَ حَالَةٌ مُصَاحِبَةٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ) أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَ مِثْلِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ.
(قَوْلُهُ وَاسْتَدَلَّ بِأَشْيَاءَ) أَيْ كَقَوْلِهَا مَنْ جُنَّ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ نَظَرَ لَهُ السُّلْطَانُ وَبِسَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ إنْ بَاعَ مَرِيضٌ لَيْسَ فِي عَقْلِهِ فَلَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ إلْزَامُ الْمُبْتَاعِ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا فَاسِدًا كَبَيْعِ السَّكْرَانِ وَاعْتَرَضَ دَلِيلَهُ الْأَوَّلَ بِطُرُوِّهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، وَلَعَلَّ دَلِيلَهُ الثَّانِيَ فِيمَنْ عِنْدَهُ تَمْيِيزٌ كَالْمَعْتُوهِ، وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ مُحَشِّي تت بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَأَنَّ كَلَامَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ قَوْلُهُ إلَخْ) ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَنْطُوقِ يَكُونُ الْمَعْنَى إلَّا إنْ كَانَ التَّمْيِيزُ مَعَ السُّكْرِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ التَّمْيِيزَ الَّذِي مَعَ السُّكْرِ نَوْعٌ مِنْهُ لَا التَّمْيِيزُ التَّامُّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَفْهُومِ يَكُونُ الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ فَلَوْ أُرِيدَ التَّمْيِيزُ التَّامُّ يَكُونُ الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا تَمْيِيزَ كَامِلٌ عِنْدَهُ أَيْ وَعِنْدَهُ أَصْلُ التَّمْيِيزِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ.
(قَوْلُهُ فَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ بَيْعِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مِنْ الْخِلَافِ جَعَلَهُ كَالْمَجْنُونِ وَقَالَ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ فَيُؤْذِنُ بِصِحَّتِهِ مِنْ الْمَجْنُونِ أَيْ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْبَاجِيُّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْحَقُّ الْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ أَنَّ لِابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ قَوْلَيْنِ بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ أَيْ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ ظَاهِرُهُ التَّرَدُّدُ فِي الِانْعِقَادِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ لِذِكْرِهِمَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الطُّرُقُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الصِّحَّةِ هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ وَالْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ وَاللَّخْمِيُّ كَمَا قَالَهُ مُحَشِّي تت.
(قَوْلُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ إلَخْ) عِبَارَةٌ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتَ أَقْوَالٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَهَا ابْنُ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فَلَا يُحَدُّ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ بَقِيَّةً مِنْ عَقْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فَعَلَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَالثَّالِثُ يَلْزَمُهُ الْأَفْعَالُ وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَالرَّابِعُ يَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ وَالْعُقُودُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ لِلَّهِ بِهِ حَقٌّ