الْعِلْمُ وَالْجَهْلُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهَا كَمَكِيلٍ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِكَيْلِهِ وَجَهِلَهُ الْآخَرُ.
أَمَّا لَوْ جَهِلَا كَيْلَهُ وَعَلِمَ أَحَدُهُمَا وَزْنَهُ أَوْ عَدَدَهُ فَلَا خِيَارَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي جَهْلِ الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهَا وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الْقَصَّارِ كَوْنَ عِلْمِ أَحَدِهِمَا عَيْبًا بِأَنَّ الْعَيْبَ إذَا أَعْلَمَ بِهِ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ بَلْ لِلْمُشْتَرِي الرِّضَا وَهُنَا لَوْ أَعْلَمَ الْعَالِمُ الْجَاهِلَ بِعِلْمِهِ فَسَدَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ أَعْلَمَهُ) أَيْ أَعْلَمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِعِلْمِهِ (أَوَّلًا) حِينَ الْعَقْدِ وَدَخَلَا عَلَى ذَلِكَ (فَسَدَ) الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَعَاقُدِهِمَا عَلَى الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ وَبِهِ يُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِأَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّيْءِ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ إذَا قَارَنَهُ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ إذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِدُخُولِهِ عَلَى الْغَرَرِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.
قُلْت هَكَذَا عِبَارَةُ الْمُوَضَّحِ، وَمِثْلُهُ لِلشَّارِحِ وَفِيهَا حَزَازَةٌ فَلِذَا قَالَ مُحَشِّي التَّوْضِيحِ صَوَابُهُ لَا مُنَافَاةَ كَمَا قَالَ سَحْنُونَ فِيمَنْ بَاعَ أَمَةً، وَشَرَطَ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ فَسَدَ الْبَيْعُ وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ خُيِّرَ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (كَالْمُغَنِّيَةِ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إنْ بَيَّنَ غِنَاءَهَا وَقْتَ الْعَقْدِ قَالَ الشَّيْخُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الْقَصْدُ بِالتَّبْيِينِ زِيَادَةَ الثَّمَنِ لَا التَّبَرِّي، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَغِنَاءُ الْعَبْدِ لَيْسَ كَالْأَمَةِ فَلَا يُوجِبُ خِيَارًا وَلَا فَسَادًا فَقَوْلُهُ كَالْمُغَنِّيَةِ تَشْبِيهٌ تَامٌّ، وَلَمَّا كَانَ الْغَرَرُ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ قَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ انْضِمَامِ الْمَعْلُومِ إلَى الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّ انْضِمَامَهُ إلَيْهِ يَصِيرُ فِي الْمَعْلُومِ جَهْلًا لَمْ يَكُنْ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَجُزَافٌ.
فَإِذَا اجْتَمَعَ شَيْئَانِ فِي صَفْقَةٍ فَإِمَّا مَعْلُومَانِ أَوْ مَجْهُولَانِ وَسَيَأْتِيَانِ، وَإِمَّا مَعْلُومٌ وَمَجْهُولٌ وَهُوَ أَرْبَعُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُمَا مَعًا الْكَيْلَ كَصُبْرَةِ حَبٍّ جُزَافًا وَأُخْرَى مِنْهُ كَيْلًا أَوْ أَصْلُهُمَا مَعًا الْجُزَافُ كَأَرْضٍ جُزَافًا وَأُخْرَى مِنْهَا ذَرْعًا أَوْ أَصْلُ مَا بِيعَ جُزَافًا الْكَيْلُ وَأَصْلُ مَا بِيعَ بِالْكَيْلِ الْجُزَافُ كَصُبْرَةٍ جُزَافًا وَأَرْضٍ ذَرْعًا أَوْ بِالْعَكْسِ كَأَرْضٍ جُزَافًا وَصُبْرَةٍ كَيْلًا فَالثَّلَاثُ الْأُوَلُ مَمْنُوعَةٌ لِخُرُوجِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا عَنْ الْأَصْلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَاطِفًا لَهُ بِالْجَرِّ عَلَى غَيْرِ مَرْئِيٍّ بِقَوْلِهِ فِي الْأُولَى (وَجُزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ) وَفِي الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) جُزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ الْعَيْبَ إذَا أَعْلَمَ بِهِ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ) أَعْلَمَهُ حَالَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ لِتَعَاقُدِهِمَا إلَخْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَسَدَ أَيْ فَسَدَ الْعَقْدُ لِدُخُولِهِمَا إلَخْ وَالْخَطَرُ مُرَادِفٌ لِلْغَرَرِ بِخِلَافِ إذَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ذَلِكَ فَلَا تَعَاقُدَ عَلَى غَرَرٍ.
(قَوْلُهُ وَبِهِ يُجَابُ) أَيْ بِقَوْلِهِ لِتَعَاقُدِهِمَا عَلَى الْغَرَرِ غَيْرَ أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ مِنْ كَلَامِ الْمُسْتَشْكِلِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ فِي كَلَامِكَ أَيُّهَا الْمُسْتَشْكِلُ مَا يَنْفِي إشْكَالَك وَهُوَ قَوْلُك لِتَعَاقُدِهِمَا عَلَى الْغَرَرِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ هَكَذَا فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ، وَيُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ إنَّمَا فَسَدَ هُنَا وَخُولِفَتْ الْقَاعِدَةُ لِتَعَاقُدِهِمَا عَلَى الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْفَسَادِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَدَمُ الْفَسَادِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ حِينَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هُنَا، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ وَخُولِفَتْ الْقَاعِدَةُ لِتَعَاقُدِهِمَا عَلَى الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَيْسَ فِي الِاطِّلَاعِ فِيهِ عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ تَعَاقُدٌ عَلَى غَرَرٍ وَخَطَرٍ.
(قَوْلُهُ كَوْنُ الشَّيْءِ) هُوَ عِلْمُ أَحَدِهِمَا بِعِلْمِ الْآخَرِ حَالَةَ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ إذَا قَارَنَهُ) أَيْ الْعَقْدَ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَوْلُهُ لِدُخُولِهِ عَلَى الْغَرَرِ أَيْ إنَّمَا فَسَدَ عِنْدَ الْمُقَارَنَةِ لِدُخُولِهِ عَلَى الْغَرَرِ وَلَمْ يَفْسُدْ بَعْدُ لِعَدَمِ دُخُولِهِمَا عَلَى الْغَرَرِ (قَوْلُهُ عِبَارَةُ الْمُوَضَّحِ) أَيْ عِبَارَةُ التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ وَفِيهَا حَزَازَةٌ أَيْ رِكَّةٌ لَا يُفْهَمُ الْمَعْنَى بِهَا (قَوْلُهُ مُحَشِّي التَّوْضِيحِ) هُوَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا جَوَابَانِ فَإِنْ قُلْت هَلْ فَرَّقَ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ قُلْت فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الْأَوَّلِ ادِّعَاءُ الْمُلَازَمَةِ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ كُلِّيَّةً تَنْقُضُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عِنْدَ وُجُودِ الْغَرَرِ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ الثَّانِي لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الدُّخُولُ عَلَى الْغَرَرِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ سَحْنُونَ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْكَافِ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ وَآخِرُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ (قَوْلُهُ وَغِنَاءُ الْعَبْدِ إلَخْ) لَعَلَّ وَجْهَهُ مَعَ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُخْشَى مِنْ غِنَائِهِ تَعَلُّقُ النَّاسِ بِهِ عَادَةً أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ
(تَتِمَّةٌ) هِيَ أَنَّهُ حَيْثُ حُكِمَ بِتَخْيِيرِ الْمُشْتَرِي فِي الْجُزَافِ الَّذِي عَلِمَ الْبَائِعُ بِقَدْرِهِ فَفَاتَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْجُزَافِ وَحَيْثُ حُكِمَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَفَاتَتْ الصُّبْرَةُ فَفِيهَا الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَاعُ أَنْ يَصْدُقَ الْبَائِعَ فِي الْمَكِيلَةِ وَيَرُدَّهَا أَيْ مِثْلَهَا لَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاقْتِضَاءِ عَنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ طَعَامًا، وَبَقِيَ حُكْمُ تَخْيِيرِ الْبَائِعِ حَيْثُ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِقَدْرِهِ وَفَاتَ وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْبَائِعِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ عَنْ ذَلِكَ طَعَامًا أَمْ لَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الِاقْتِضَاءُ عَنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ طَعَامًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ انْضِمَامَهُ) أَيْ الْمَعْلُومِ إلَيْهِ أَيْ الْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُمَا مَعًا الْكَيْلَ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا كَالْحُبُوبِ وَمِنْهَا مَا الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا كَالْأَرْضِينَ وَالثِّيَابِ وَمِنْهَا مَا لَا يُبَاعُ كَيْلًا وَلَا جُزَافًا كَالْعَبِيدِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ فَقَوْلُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُمَا مَعًا الْكَيْلَ هَذِهِ الْأُولَى فِي الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَصْلُهُمَا مَعًا الْجُزَافَ هَذِهِ الثَّالِثَةُ فِي الْمُصَنِّفِ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِهِ وَجُزَافُ أَرْضٍ وَقَوْلُهُ أَوْ أَصْلُ مَا بِيعَ جُزَافًا هَذِهِ هِيَ الثَّانِيَةُ فِي الْمُصَنِّفِ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِهِ أَوْ أَرْضٌ (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ فِي الْأُولَى) أَيْ فِي الْمُصَنِّفِ لَا فِي الشَّارِحِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ.
(قَوْلُهُ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ) أَيْ كَأَشْتَرِي مِنْك هَذِهِ الصُّبْرَةَ الَّتِي لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهَا، وَهَذِهِ الصُّبْرَةُ