للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَتَعَيَّنُ الْأَرْشُ عِنْدَ التَّنَازُعِ، وَأَمَّا عِنْدَ التَّرَاضِي فَعَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، وَطَرِيقُ الْأَرْشِ أَنْ يُقَوَّمَ سَالِمًا وَمَعِيبًا، وَيَأْخُذَ مِنْ الثَّمَنِ النِّسْبَةَ ثُمَّ أَخَذَ فِي أَمْثِلَةِ الْمُفِيتِ بِقَوْلِهِ (ص) كَكِبَرِ صَغِيرٍ، وَهَرَمٍ وَافْتِضَاضِ بِكْرٍ، وَقَطْعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ الْمُفِيتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْمُوجِبَ لِلرُّجُوعِ لِلْأَرْشِ كَكِبَرِ الصَّغِيرِ، وَهَرَمِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَضْعُفَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهَا، وَظَاهِرُهُ عُمُومُهُ فِي الْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الصَّغِيرَ جِنْسٌ، وَالْكَبِيرَ جِنْسٌ، وَتَقْيِيدُ الزَّرْقَانِيِّ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْإِبِلِ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْهَا افْتِضَاضُ بِكْرٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي كِتَابِهِ الْمُذْهَبِ فِي تَحْرِيرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ، وَقَيَّدَ الْبَاجِيُّ قَوْلَ مَالِكٍ بِالْعُلْيَا، وَأَمَّا الْوَخْشُ فَلَا يَنْقُصُهَا بَلْ يَزِيدُهَا، وَمِنْهَا الْقَطْعُ الْغَيْرُ الْمُعْتَادِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا أَوْ غَيْرَ مُدَلِّسٍ كَتَفْصِيلِ شُقَّةَ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ قَلَنْسُوَةً أَوْ الثَّوْبِ الصُّوفِ قَمِيصًا.

ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ الْمُفِيتِ الْمُوجِبَ لِلْأَرْشِ عَلَى الْبَائِعِ بَعْضَ مُفِيتَاتٍ فِيهَا الرُّجُوعُ لِلْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لَا بِالْأَرْشِ فَقَطْ بِقَوْلِهِ (ص) إلَّا أَنْ يَهْلِكَ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ، وَبِسَمَاوِيٍّ زَمَنُهُ كَمَوْتِهِ فِي إبَاقِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ رُجُوعِ الْمُشْتَرِي بِالْأَرْشِ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا إذَا حَصَلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مُفِيتٌ إنْ لَمْ يَهْلِكْ الْمَعِيبُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِسَبَبِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ أَوْ بِسَمَاوِيٍّ فِي زَمَنِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ فَإِنْ هَلَكَ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ الَّذِي دَلَّسَ بِهِ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَنْ عَلِمَ بِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ كَمَا لَوْ دَلَّسَ بِحِرَابَتِهِ فَحَارَبَ فَقَتَلَ أَوْ بِالْإِبَاقِ فَأَبَقَ فَاقْتَحَمَ نَهْرًا فَمَاتَ أَوْ تَرَدَّى فَمَاتَ أَوْ دَخَلَ حَجَرًا فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ أَوْ هَلَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ لَكِنْ فِي زَمَنِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ كَمَوْتِهِ فِي زَمَنِ إبَاقِهِ الْمُدَلَّسِ بِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا حَدَثَ عِنْدَهُ مِنْ الْهَلَاكِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا بَاعَهُ أَمَةً حَامِلًا وَدَلَّسَ عَلَيْهِ بِحَمْلِهَا فَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَبْدَ أَبَقَ مِنْ عِنْدِهِ وَخَالَفَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ عَلَى أَنَّهُ دَلَّسَ عَلَيْهِ بِالْإِبَاقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِثَمَنِهِ لَكِنْ لَهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ مَا غَيَّبَهُ، وَعَلَى الْبَائِعِ تَحْصِيلُهُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ زَمَنُهُ مِمَّا إذَا هَلَكَ بِسَمَاوِيٍّ فِي غَيْرِ زَمَنِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْأَرْشِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ هَلَاكَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ ذَكَرَ مَا إذَا هَلَكَ عِنْدَ غَيْرِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِذَلِكَ فَقَالَ (ص) وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي، وَهَلَكَ بِعَيْبِهِ رَجَعَ عَلَى الْمُدَلِّسِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ رُجُوعُهُ عَلَى بَائِعِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَإِنْ زَادَ فَلِلثَّانِي، وَإِنْ نَقَصَ فَهَلْ يُكْمِلُ الثَّانِيَ قَوْلَانِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُدَلِّسِ إذَا بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ، وَهَلَكَ الشَّيْءُ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِسَبَبِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ عَلَى بَائِعِهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ الْمُدَلِّسِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُدَلِّسُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِكَشْفِ الْعَيْبِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِتَدْلِيسِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ الْمُدَلِّسِ مُسَاوِيًا لِمَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ لِلْبَائِعِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ زَادَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُدَلِّسِ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَيَبْقَى بِيَدِهِ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَهُوَ بَائِعُهُ الْغَيْرُ الْمُدَلِّسُ، وَإِنْ نَقَصَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُدَلِّسِ عَنْ ثَمَنِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الَّذِي دَفَعَهُ لِبَائِعِهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُدَلِّسُ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِآخَرَ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَهَلْ يُكْمِلُ الْبَائِعُ الثَّانِي لِمُشْتَرِيهِ ثَمَنَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ لَهُ دِرْهَمَيْنِ تَمَامَ ثَمَنِهِ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ شَاسٍ لِأَنَّهُ قَبَضَ ذَلِكَ الزَّائِدَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ لَا يُكْمِلُهُ الثَّانِي وَلَيْسَ لِلثَّالِثِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي غَيْرُ الْعَشَرَةِ الَّتِي قَبَضَهَا مِنْ الْمُدَلِّسِ وَحَكَاهُ فِي النَّوَادِرِ وَكِتَابِ ابْنِ يُونُسَ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِاتِّبَاعِ الْأَوَّلِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الثَّانِي قَوْلَانِ، وَقَيَّدَ الثَّانِي بِأَنْ لَا يَكُونَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَلْيَرْجِعْ عَلَى بَائِعِهِ بِتَمَامِ قِيمَةِ عَيْبِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الثَّانِي

ــ

[حاشية العدوي]

وَغَيْرِهِ إنْ نَقَصَ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَطْعُ مُعْتَادًا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعْتَادَةِ فَمُفِيتٌ، وَلَوْ دَلَّسَ الْبَائِعُ (قَوْلُهُ كَكِبَرِ صَغِيرٍ) فِي مَبِيعٍ يُرَادُ لِصِغَرِهِ كَدُخُولٍ عَلَى النِّسَاءِ، وَالْمُرَادُ بِكِبَرِهِ بُلُوغُهُ، وَانْظُرْ لَوْ رَاهَقَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ فَوْتًا لِعَدَمِ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَصَغِيرُ غَنْمٍ يُرَادُ لِلَحْمِهِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ جَعْلِهِ مِثَالًا لِلْمُخْرِجِ عَنْ الْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا افْتِضَاضُ بَكْرٍ) بِالْقَافِ وَالْفَاءِ، وَاقْتَصَرَ فِي الصِّحَاحِ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ) الرَّاجِحُ قَوْلُ مَالِكٍ (قَوْلُهُ بَلْ يَزِيدُهَا) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ سِمَنِهَا (قَوْلُهُ قَلَنْسُوَةً) كَأَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الشُّقَّةَ تُجْعَلُ قَلَانِسَ (قَوْلُهُ أَوْ الثَّوْبُ الصُّوفُ قَمِيصًا) هَذَا فِي شَأْنِ بَلْدَةٍ يَجْعَلُونَ الثَّوْبَ الصُّوفَ قُفْطَانًا، وَلَا يَجْعَلُونَهُ قَمِيصًا، وَأَمَّا فِي عُرْفِ بِلَادِنَا فَيَجْعَلُونَ الثَّوْبَ الصُّوفَ قَمِيصًا.

(قَوْلُهُ فَاقْتَحَمَ نَهْرًا) أَيْ دَخَلَ نَهْرًا (قَوْلُهُ كَمَوْتِهِ فِي زَمَنِ إبَاقِهِ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ خَبَرٌ هَلْ هَلَكَ أَمْ لَا.

(قَوْلُهُ وَهَلَكَ) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ لَا حَالٌ لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَيْسَ فِي وَقْتِ الْبَيْعِ، وَالْحَالُ الْمُقَدَّرَةُ شَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُقَدِّرُ لَهَا الْمُتَكَلِّمَ بَدْرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رُجُوعُهُ عَلَى بَائِعِهِ) أَيْ بِأَنْ أُعْدِمَ أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً وَلَا مَالَ لَهُ فَإِنْ أَمْكَنَ رُجُوعُهُ عَلَى بَائِعِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَيَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ كَمَالِ الثَّمَنِ قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ إذْ مِنْ حُجَّةِ الْمُدَلِّسِ أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ لَمْ يَنْقُصْ عَلَيْك بِتَدْلِيسِي سِوَى مَا دَفَعْته مِنْ الْأَرْشِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ فَلَا رُجُوعَ لَك عَلَيَّ لَوْ هَلَكَ بِيَدِك إلَّا بِمَا دَفَعْت لِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي إنَّمَا رَضِيَ بِاتِّبَاعِهِ لِضَرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ الرُّجُوعُ عَلَى الثَّانِي فَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَحْصُرَ الثَّانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>