ص) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ش) هِيَ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ قَصَدَ بِهَا الدُّعَاءَ لَهُ عَمَلًا بِمَا يَلْزَمُ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنْ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ لَلْمُؤَلِّفِ لِاعْتِرَافِهِ لَهُ بِالْفَضْلِ وَأَتَى بِهَا فِعْلِيَّةً لِحُدُوثِ الْمَسْئُولِ بِهَا وَأَتَى بِهَا خَبَرِيَّةً تَفَاؤُلًا بِالْإِجَابَةِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الدُّعَاءِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَاغْفِرْ لَنَا وَخَصَّ الرَّحْمَةَ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ كُلَّ خَيْرٍ، مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ثَالِثَ عَشَرَ رَبِيعَ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَذَكَرَ بَعْضٌ أَنَّ بَعْضَ الطَّلَبَةِ رَأَى الْمُؤَلِّفَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ وَلِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ.
(ص) الْحَمْدُ لِلَّهِ (ش) لَمَّا افْتَتَحَ بِالْبَسْمَلَةِ افْتِتَاحًا حَقِيقِيًّا افْتَتَحَ بِالْحَمْدَلَةِ افْتِتَاحًا إضَافِيًّا، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ جَمْعًا بَيْنَ حَدِيثَيْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالْحَمْدُ لُغَةً هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْخُرَافَاتِ.
قَالَ فَعَلِمْت أَنَّ الشَّيْخَ عَلِمَ بِحَالِي وَانْتَهَيْت مِنْ ذَلِكَ الْحِينِ وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ أَنَّهُ كَانَ مُشْتَغِلًا بِمَا يَعْنِيهِ حَتَّى أَنَّهُ أَقَامَ بِمِصْرَ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يَرَ النِّيلَ وَأَنَّهُ جَاءَ لِمَنْزِلِ بَعْضِ شُيُوخِهِ فَوَجَدَ الْكَنِيفَ مَفْتُوحًا وَلَمْ يَجِدْ الشَّيْخَ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ شَوَّشَهُ هَذَا الْكَنِيفُ فَذَهَبَ لِيَأْتِيَ بِمَنْ يُنْقِيهِ فَقَالَ الشَّيْخُ خَلِيلُ أَنَا أَوْلَى بِتَنْقِيَتِهِ فَشَمَّرَ وَنَزَلَ فَجَاءَ الشَّيْخُ فَوَجَدَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَالنَّاسُ قَدْ حَلَّقُوا عَلَيْهِ تَعَجُّبًا مِنْ فِعْلِهِ فَقَالَ مَنْ هَذَا قَالُوا خَلِيلٌ فَاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ وَدَعَا لَهُ عَنْ قَرِيحَةٍ صَادِقَةٍ فَنَالَ بَرَكَةَ ذَلِكَ وَوَضَعَ اللَّهُ الْبَرَكَةَ فِي عُمُرِهِ (قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لَمْ يَقُلْ رَحِمَنِي اللَّهُ؛ لِأَنَّ خَلِيلَ اسْمٌ ظَاهِرٌ مِنْ قَبِيلِ الْغَيْبَةِ فَنَاسَبَ ضَمِيرَ الْغَائِبِ (قَوْلُهُ لَهُ) أَيْ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ فِي مَكَارِمِ) فِي بِمَعْنَى مِنْ مُقَدَّمَةٌ مِنْ تَأْخِيرٍ وَالتَّقْدِيرُ عَمَلًا بِاَلَّذِي يَلْزَمُ أَوْ بِشَيْءٍ يَلْزَمُ أَيْ يَتَأَكَّدُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ لَلْمُؤَلِّفِ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ مَعْدُودًا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَيْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ الْأَخْلَاقِ الْمَحَاسِنِ أَيْ الْحَسَنَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ دُعَاءٌ فَقَطْ لَا ثَنَاءٌ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ دُعَاءً صَرِيحًا فَهُوَ ثَنَاءٌ ضِمْنًا (قَوْلُهُ لَلْمُؤَلِّفِ) الْمُقَامُ لِلْإِضْمَارِ وَنُكْتَةُ الْإِظْهَارِ التَّحَدُّثُ بِالنِّعْمَةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَوْصُوفًا بِالتَّأْلِيفِ (قَوْلُهُ لِاعْتِرَافِهِ) أَيْ الدَّاعِي لَهُ أَيْ لَلْمُؤَلِّفِ بِالْفَضْلِ أَيْ بِالْإِحْسَانِ مِنْ تَأْلِيفِهِ ذَلِكَ الْمُخْتَصَرَ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ وَمِنَّةٌ لَمْ تُسَاوِهَا مِنَّةٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ جُمْلَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ وَضْعِ بَعْضِ الطَّلَبَةِ لَا أَنَّهَا مِنْ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ بَعِيدٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهَا مِنْ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَصَدَ بِذَلِكَ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ الْقَارِئَ إذَا جَاءَ لِتِلْكَ الْجُمْلَةِ يُلَاحِظُ إنْشَاءَ الدُّعَاءِ لَهُ (قَوْلُهُ لِحُدُوثِ الْمَسْئُولِ بِهَا) أَيْ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلِيَّةُ لَا ثُبُوتُهُ وَدَوَامُهُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْمِيَّةُ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَالَةِ بِالْبَيَانِ وَالْمَسْئُولُ هُوَ الرَّحْمَةُ (قَوْلُهُ تَفَاؤُلًا بِالْإِجَابَةِ) أَيْ تَرَقُّبًا لِلْإِجَابَةِ أَيْ فَكَأَنَّ الرَّحْمَةَ حَصَلَتْ بِالْفِعْلِ وَصَارَ يُخْبَرُ بِهَا.
(قَوْلُهُ وَخَصَّ الرَّحْمَةَ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ كُلَّ خَيْرٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ هَلَّا قَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَثَلًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ لَكَانَ قَاصِرًا عَلَى سُؤَالِ مَحْوِ الذَّنْبِ فَلَا يَشْمَلُ طَلَبَ نِعَمٍ أُخْرَى مِنْ نِعَمِ الْآخِرَةِ أَيْ وَالرَّحْمَةُ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ تَشْمَلُ مَحْوَ الذَّنْبِ وَغَيْرَهُ، فَإِنْ قُلْت إنَّ الْإِنْعَامَ حَقِيقَةٌ فِي تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِشَيْءٍ مُنْعَمٍ بِهِ يَثْبُتُ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَلَا يَشْمَلُ سُؤَالَ الْعَفْوِ فَلَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ تَجْمَعُ قُلْت نَعَمْ إلَّا أَنَّ الرَّحْمَةَ تُعُورِفَتْ فِيمَا يَشْمَلُ مَحْوَ الذَّنْبِ فَالشُّمُولُ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ) بِسِينٍ وَبَاءٍ كَمَا هُوَ بِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ أَنَّهُ بِالتَّاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَكَذَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي تت فِي صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ بِتَقْدِيمِ السِّينِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الدُّرَّةِ الْكَامِنَةِ سَنَةَ تِسْعٍ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ وَنَحْوِهِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ الْفَاسِيِّ وَالشَّيْخِ أَحْمَدَ زَرُّوقٍ وَبَعْضُهُمْ عَزَا ذَلِكَ لتت وَلَعَلَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَتِهِ كَذَلِكَ وَفِي ابْنِ غَازِيٍّ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ مَرْزُوقٍ قَائِلًا حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْقَاضِي الْفَقِيهُ نَاصِرُ الدِّينِ الْإِسْحَاقِيُّ الْمِصْرِيُّ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْ حُفَّاظِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ وَلِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ غُفِرَ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الذُّنُوبُ الْمَاضِيَةُ فَقَطْ وَبَعْدَهَا مُعَرَّضُونَ لِإِصَابَتِهَا أَوْ وَالْمُسْتَقْبِلَة عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهَا وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ أَوْ الْمَاضِيَةُ فَقَطْ وَيُحْفَظُونَ بَعْدَ وُقُوعِهَا وَالْمُرَادُ صَلَّى عَلَيْهِ جِنَازَتَهُ.
(قَوْلُهُ حَقِيقِيًّا) نِسْبَةً لِلْحَقِيقَةِ أَيْ حَقِيقَةِ الِافْتِتَاحِ فَهُوَ مِنْ نِسْبَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ مُبَالَغَةً أَوْ أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ لَيْسَتْ مُرَادَهُ وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِابْتِدَاءُ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ الْإِضَافِيَّ أَعَمُّ أَيْ إنَّ الِافْتِتَاحَ الْإِضَافِيَّ هُوَ الِافْتِتَاحُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الِافْتِتَاحِ فِي الْمَقْصُودِ فَبَانَ بِذَلِكَ ظُهُورُ كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ افْتِتَاحٍ عَلَى افْتِتَاحٍ (قَوْلُهُ بِالذَّاتِ) أَيْ قَصَدَهُ جَاءَ لَهُ مِنْ ذَاتِهِ لَا مِنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ فَإِنَّهُمَا، وَإِنْ كَانَتَا مَقْصُودَتَيْنِ إلَّا أَنَّ الْقَصْدِيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُمَا مِنْ نَفْسِهِمَا بَلْ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ (قَوْلُهُ جَمْعًا إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمَّا افْتَتَحَ بِالْبَسْمَلَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ بَيْنَ حَدِيثَيْ) أَيْ بَيْنَ الْعَمَلِ بِحَدِيثَيْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّارِحِ حَدِيثُ الْبَسْمَلَةِ وَوَرَدَ فِي الْحَمْدَلَةِ «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ كَ وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الْمُتَعَلِّقُ بِالِابْتِدَاءِ بِالْبَسْمَلَةِ وَوَرَدَ فِي الْحَمْدَلَةِ «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَجَاءَ التَّعَارُضُ فَدَفَعَ الشَّارِحُ التَّعَارُضَ بِأَنَّ حَمْلَ حَدِيثِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحَمْدَلَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ الْإِضَافِيِّ وَلَمْ يَعْكِسْ لِمُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَلِقُوَّةِ حَدِيثِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى حَدِيثِ الْحَمْدَلَةِ وَهُنَاكَ أَجْوِبَةٌ لَا حَاجَةَ لِلْإِطَالَةِ بِذِكْرِهَا.
(قَوْلُهُ لُغَةً) أَيْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مَعْدُودًا فِي الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ لِلْعَرَبِ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ الْحَمْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ وَتَفْسِيرُ الْحَمْدِ حَالَةَ كَوْنِ الْحَمْدِ لُغَةً فَلَا يَرِدُ مَا يُقَالُ إنَّهُ حَالٌ مِنْ الْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ بِاللِّسَانِ) بِمَعْنَى آلَةِ النُّطْقِ وَلَوْ غَيْرَ الْمَعْهُودَةِ فَيَشْمَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute