عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ أَمْ لَا وَاصْطِلَاحًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ اعْتِقَادًا بِالْجَنَانِ أَوْ قَوْلًا
ــ
[حاشية العدوي]
الثَّنَاءَ الْمَنْطُوقَ بِهِ بِغَيْرِهَا خَرْقًا لِلْعَادَةِ وَخَرَجَ بِهِ الثَّنَاءُ بِغَيْرِهِ كَالْحَمْدِ النَّفْسِيِّ وَحَمْدِ الْجَمَادِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظِيًّا خَرْقًا لِلْعَادَةِ فَلَيْسَ حَمْدًا لُغَةً حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا، وَإِنْ كَانَ ثَنَاءً حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّنَاءَ الْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَافِ الْمَحْمُودِ بِالصِّفَةِ الْجَمِيلَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ اللِّسَانِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ فَلَا يَكُونُ قَيْدُ اللِّسَانِ مُسْتَدْرَكًا.
(قَوْلُهُ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ) أَيْ لِأَجْلِ الْفِعْلِ الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ تَعْلِيلٌ لِلثَّنَاءِ وَهَذَا الْفِعْلُ الْمَوْصُوفُ بِمَا ذَكَرَ هُوَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَحْمُودُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاخْتِيَارُ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ فِي التَّعْرِيفِ بِلَفْظِ الثَّنَاءِ فَإِنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ الْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَافِ الْمَحْمُودِ بِالصِّفَةِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي مَصْدُوقُهَا الْمَحْمُودُ بِهِ وَإِذَا كَانَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا يَكُونُ الْحَمْدُ مُخْتَصًّا بِالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ بِخِلَافِ الْمَدْحِ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ قَالَهُ فِي كَ وَالْمُرَادُ بِالْجَمِيلِ الْأَمْرُ الْحَسَنُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ بِحَسَبِ اعْتِقَادِ الْمَحْمُودِ كَقَوْلِك لِلَّذِي تَصِفُهُ بِصِفَةٍ دَنِيئَةٍ لَكِنَّهَا حَسَنَةٌ فِي اعْتِقَادِك أَوْ اعْتِقَادِ مُخَاطِبِك أَنْتَ كَنَاسٍ وَأُورِدَ عَلَى قَيْدِ الِاخْتِيَارِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ حَمْدًا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمُقَدَّسَةِ لَيْسَتْ بِأَفْعَالٍ وَلَا يُوصَفُ ثُبُوتُهَا بِالِاخْتِيَارِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَبْدَأً لِأَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ كَانَ الْحَمْدُ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ فَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ فِي الْمَآلِ انْتَهَى فَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا كَانَ اخْتِيَارِيًّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَثَرِهِ.
(تَنْبِيهٌ) : الْحَمْدُ يَتَوَقَّفُ عَلَى أُمُورٍ خَمْسَةٍ فَهِيَ أَرْكَانٌ لَهُ مَحْمُودٌ بِهِ وَمَحْمُودٌ عَلَيْهِ وَحَامِدٌ وَمَحْمُودٌ وَصِيغَةٌ فَالْمَحْمُودُ بِهِ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الصِّيغَةُ كَقَوْلِك زَيْدٌ عَالِمٌ فَالصِّيغَةُ هِيَ هَذَا اللَّفْظُ وَمَدْلُولُهَا، وَهُوَ ثُبُوتُ الْعِلْمِ لِزَيْدٍ هُوَ الْمَحْمُودُ بِهِ، وَأَمَّا الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَا كَانَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ فِي مُقَابَلَتِهِ، ثُمَّ أَنَّهُمَا قَدْ يَخْتَلِفَانِ بِالذَّاتِ كَمَنْ أَعْطَاك شَيْئًا فَكَانَ بَاعِثًا لَك عَلَى وَصْفِك لَهُ بِالْعِلْمِ أَوْ الْحِلْمِ وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ بِأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَحْمُودًا بِهِ وَمَحْمُودًا عَلَيْهِ لَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ عَلَى الْوَصْفِ بِصِفَةٍ اتِّصَافُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَمَنْ رَأَيْته يَفْعَلُ فِعْلًا جَمِيلًا وَصَارَ ذَلِكَ بَاعِثًا لَأَنْ تُظْهِرَهُ فَتَقُولَ هُوَ صَلَّى أَوْ أَنْعَمَ فَهَذِهِ الصِّفَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا بَاعِثَةٌ عَلَى إظْهَارِكَ اتِّصَافَهُ بِهَا مَحْمُودٌ عَلَيْهَا وَمِنْ حَيْثُ إنَّكَ وَصَفْته بِهَا وَأَظْهَرْت أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِهِ مَحْمُودٌ بِهَا، وَأَمَّا الْحَامِدُ فَهُوَ الْوَاصِفُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْوَصْفُ، وَأَمَّا الْمَحْمُودُ فَهُوَ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ حَمْدًا لِلَّهِ عَلَى صِفَاتِهِ، وَأَمَّا الصِّيغَةُ فَهِيَ اللَّفْظُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْمَحْمُودِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُصَاحِبًا لِجِهَةِ التَّعْظِيمِ لَا لِلتَّعْظِيمِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَلْ الْمُشْتَرَطُ جِهَتُهُ وَهِيَ عَدَمُ مُنَافَاةِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ لِلِّسَانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوَافَقَةَ لَا تُشْتَرَطُ بَلْ الْمُشْتَرَطُ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ لَهُمَا، ثُمَّ نَقُولُ أَخْرَجَ بِهِ الْوَصْفَ بِالْجَمِيلِ تَهَكُّمًا نَحْوَ {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: ٤٩] ، وَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَنَاءً بِالْجَمِيلِ بَلْ وَصْفٌ لِلْمُتَهَكَّمِ بِهِ بِمَا لَيْسَ مُتَّصِفًا بِهِ حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا إمَّا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا أَوْ بِاعْتِبَارِ ضِدِّ حَالِ الْمُتَهَكَّمِ بِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي النَّارِ يَنْفِي عَنْهُ الْعِزَّةَ وَالْكَرَمَ وَلَمْ يَقُلْ مَعَ التَّعْظِيمِ بَلْ قَالَ عَلَى جِهَةٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ لِلِّسَانِ بَلْ الْمُشْتَرَطُ عَدَمُ مُنَافَاتِهَا لِلِّسَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ مِنْ كَوْنِهِ يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ فَقَدْ رَدَدْنَاهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَى ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ) أَيْ إنْعَامٍ أَمْ لَا هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِمْ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَوْ بِالْفَوَاضِلِ الْأُولَى: جَمْعُ فَضِيلَةٍ، وَهِيَ الْمَزِيَّةُ الْقَاصِرَةُ عَلَى مَنْ صَدَرَتْ عَنْهُ، وَالثَّانِيَةُ جَمْعُ فَاضِلَةٍ وَهِيَ الْمَزِيَّةُ الْمُتَعَدِّيَةُ كَالْإِنْعَامِ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذَفَ هَمْزَةَ التَّسْوِيَةِ وَهِيَ بِمَعْنَى إنْ الشَّرْطِيَّةِ وَقَوْلُهُ سَوَاءٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ الْأَمْرَانِ وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالتَّقْدِيرُ إنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ أَوْ لَا فَالْأَمْرَانِ سَوَاءٌ قَالَ فِي كَ وَتَخْصِيصُ الْفَضَائِلِ بِاَلَّتِي لَا تَتَعَدَّى وَالْفَوَاضِلُ بِاَلَّتِي تَتَعَدَّى لَيْسَ بِحَسَبِ أَصْلِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ اللُّغَةِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَلَعَلَّ التَّخْصِيصَ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَوْ لُغَوِيٌّ لَكِنْ لَا بِحَسَبِ أَصْلِ اللُّغَةِ انْتَهَى. وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ تَنْوِيعٌ فِي الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ وَلَوْ قَالَ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْجَمِيلُ نِعْمَةً أَمْ لَا لَكَانَ أَوْضَحَ.
(تَنْبِيهٌ) : قَدْ اسْتَشْكَلَ مَا ذَكَرَ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ تَعَدِّي ذَوَاتِ الْمَلَكَاتِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْمَلَكَاتِ تَتَعَدَّى ذَاتُهُ، وَإِنْ أُرِيدَ تَعَدِّي أَثَرِهَا فَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ يَتَعَدَّى أَثَرُهُمَا لِلْغَيْرِ وَالتَّحْقِيقُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ تَعَدِّي الْأَثَرِ وَلَكِنَّ الْمَزِيَّةَ الْمُتَعَدِّيَةَ مَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهَا عَلَى تَعَدِّي الْأَثَرِ مِثَالُ كَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ أَنْ تَحْمَدَهُ عَلَى إكْرَامِهِ لِلْغَيْرِ الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْ تَحْمَدَهُ عَلَى حُسْنِ خَطِّهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ) أَيْ يُشْعِرُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِحَيْثُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ عَلِمَ تَعْظِيمَهُ وَلَا رَيْبَ فِي تَحَقُّقِ هَذَا الْمَعْنَى فِي الشُّكْرِ الْجَنَانِيِّ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ الْجَهْلُ بِالْمُنْبِئِ كَمَا لَا يَقْدَحُ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِمَعْنَى الْجَهْلِ بِالْوَضْعِ وَعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُ الْجَنَانِ مِنْ أَقْسَامِ الشُّكْرِ لِعَدَمِ الْإِنْبَاءِ فِيهِ إذْ لَا مَعْنَى لِإِنْبَائِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُعْتَقَدِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَطَّلِعُ وَلَوْ اطَّلَعَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَذَلِكَ الْمُطَلَّعُ بِهِ هُوَ الشُّكْرُ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْبِئُ لَا الِاعْتِقَادُ كَذَا قِيلَ وَفِي ك.
وَقَوْلُهُ فَذَلِكَ الْمُطَّلَعُ إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ هُنَاكَ شُكْرَانِ أَحَدُهُمَا مُنْبِئٌ عَنْ الْآخَرِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ التَّعْظِيمِ (قَوْلُهُ بِسَبَبٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَعَلَ أَيْ هَذَا الْفِعْلَ الْمَوْصُوفَ بِمَا ذَكَرَ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ الَّذِي قَرَّرْنَا سَابِقًا مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِيُنْبِئُ وَتَعَلُّقُهُ بِ " تَعْظِيمِ " مُرَاعًى فِيهِ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ اعْتِقَادًا بِالْجَنَانِ) بِأَنْ يَعْتَقِدَ اتِّصَافَهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَالْمُرَادُ مِنْ الِاعْتِقَادِ التَّصْدِيقُ جَازَ مَا أَوْ رَاجِحًا ثَابِتًا أَوْ لَا وَقِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute