ظَنِّ يَسْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ عَامَلُوهُ بِخِلَافِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ بِالْمَظَالِمِ، وَالتَّبِعَاتِ إذَا فُلِّسَ فَإِنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَهُ إلَّا مَا يَسُدُّ بِهِ جَوْعَتَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَمْوَالِ لَمْ يُعَامِلُوهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْغَزَالِيُّ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَكَلَامُ ح فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَهُ، وَلَا مَا يَسُدُّ بِهِ جَوْعَتَهُ قَوْلُهُ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ، أَيْ: بِالْأَصَالَةِ لَا بِالِالْتِزَامِ لِسُقُوطِهَا بِالْفَلَسِ، وَالْمَوْتِ، وَقَوْلُهُ: لِظَنِّ يَسْرَتِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قُوتَهُ، وَالنَّفَقَةَ وَلَيْسَ غَايَةً لِلتَّرْكِ وَتَعَلُّقُ الْجَارِّ، وَالْمَجْرُورِ بِالِاسْمِ الْجَامِدِ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ أَسَدٌ عَلَيَّ وَلَوْ قَالَ لِظَنِّ يُسْرِهِ كَانَ أَخْصَرَ
(ص) وَكِسْوَتُهُمْ كُلٌّ دَشْتًا مُعْتَادًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُفَلَّسَ يُتْرَكُ لَهُ وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كِسْوَتُهُمْ، أَيْ: يُتْرَكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دَشْتًا مُعْتَادًا وَالدَّشْتُ بِفَتْحِ الدَّالِ هُوَ الدَّشْتُ مِنْ الثِّيَابِ، وَأَمَّا الثِّيَابُ الَّتِي لِلزِّينَةِ فَلَا تُتْرَكُ لَهُ، وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ لَا يُتْرَكُ عَلَيْهِ إلَّا مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَتَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الشِّتَاءِ وَيُخَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَيُتْرَكَ لَهُ مَا يَقِيهِ الْبَرْدَ اهـ، وَمِثْلُ الْمَوْتِ خَوْفُ الضَّرَرِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ قَوْلُهُ: وَكِسْوَتُهُمْ عَطْفٌ عَلَى قُوتِهِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَنْ ذُكِرَ وَكُلٌّ مُبْتَدَأٌ وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهَا الْعُمُومُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صِيَغِهِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: كُلٌّ يُعْطَى دَشْتًا مُعْتَادًا وَدَشْتًا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيُعْطَى، وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا فَهِيَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَكَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ وَكِسْوَتُهُمْ قَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا يُعْطَوْنَ فَقَالَ كُلٌّ دَشْتًا مُعْتَادًا وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ لَفْظُ كُلٍّ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنْ يُكْسَى الْجَمِيعُ دَشْتًا وَاحِدًا
(ص) وَلَوْ وَرِثَ أَبَاهُ بِيعَ لَا وُهِبَ لَهُ إنْ عَلِمَ وَاهِبُهُ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُفَلَّسَ إذَا وَرِثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَأُصُولِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَفُرُوعِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَحَوَاشِيهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمُفَلَّسِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ إنْ اسْتَغْرَقَهُ الدَّيْنُ، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَعَتَقَ الْبَاقِي إنْ وُجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِشْقَصًا، وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ وَيَمْلِكُ بَاقِيَ الثَّمَنِ، وَأَمَّا لَوْ وُهِبَ لَهُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ الْوَاهِبُ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى الْمُفَلَّسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ حِينَئِذٍ لِأَجْلِ الْعِتْقِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَاهِبُ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بَلْ عَلِمَ أَنَّهُ أَبُوهُ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ لِلْغُرَمَاءِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا وُهِبَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى وُرِثَ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ لَا لَا تَعْطِفُ الْمَاضِيَ وَإِنَّمَا تَعْطِفُ الْمُضَارِعَ بِقِلَّةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ وُهِبَ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى وَرِثَ بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى مَعْنَى مَا مَرَّ، أَيْ: يُبَاعُ عَلَيْهِ أَبٌ وُرِثَ لَا أَبٌ وُهِبَ.
(ص) وَحُبِسَ لِثُبُوتِ عُسْرِهِ إنْ جُهِلَ حَالُهُ وَلَمْ يَسْأَلْ الصَّبْرَ لَهُ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ (ش) هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَمُنِعَ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمِدْيَانَ سَوَاءٌ كَانَ مُفَلَّسًا أَمْ لَا أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ أَمْ لَا يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَثْبُتَ عُسْرُهُ كَانَ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ هَذَا إنْ جُهِلَ حَالُهُ، أَيْ: لَمْ يُعْلَمْ هَلْ هُوَ مَلِيءٌ، أَوْ مُعْدِمٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مَحْمُولُونَ عَلَى الْمَلَاءِ وَهَذَا مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ أَنْ يُولَدَ فَقِيرًا لَا مِلْكَ لَهُ، وَالْغَالِبُ مِنْ شَأْنِهِ التَّكَسُّبُ فَحُمِلَ عَلَى الْغَالِبِ فِي هَذَا أَمَّا مَنْ عُلِمَ مَلَاؤُهُ فَيُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْحَقِّ الْآنَ وَمَعْلُومُ الْعُدْمِ يَجِبُ إنْظَارُهُ وَمَحَلُّ حَبْسِ مَجْهُولِ الْحَالِ مَا لَمْ يَسْأَلْ التَّأْخِيرَ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ إلَى غَايَةِ إثْبَاتِ عُسْرِهِ فَإِنْ سَأَلَ الصَّبْرَ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ وَأَوْلَى بِالْمَالِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ عُسْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يُحْبَسُ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَمْ يَثْبُتْ مَلَاؤُهُ، وَلَا أَنَّهُ غَيَّبَ مَالًا وَإِنَّمَا سُجِنَ لِيَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ فَإِذَا أُعْطِيَ حَمِيلًا إلَى مُدَّةِ الِاسْتِكْشَافِ تَوَصَّلَ بِهِ إلَى ذَلِكَ كَمَا يُتَوَصَّلُ بِالسَّجْنِ فَالضَّمِيرُ فِي حُبِسَ رَاجِعٌ لِلْمَدِينِ الْأَعَمِّ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ التَّفْلِيسَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الْعُسْرِ، وَإِلَّا لَمَا حُبِسَ الْمُفَلَّسُ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إذْ قَوْلُهُ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ: الَّذِي لَا يُبَاعُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ (قَوْلُهُ: وَالتَّبِعَاتُ) عَطْفٌ عَلَى الْمَظَالِمِ عَطْفَ مُرَادِفٍ، وَقَوْلُهُ: كَمَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ الظَّاهِرُ وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ يَتَكَسَّبُ بِهَا (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قُوتُهُ) ، وَالْمَعْنَى وَتُرِكَ قُوتُهُ، أَيْ: مَا يَقْتَاتُ بِهِ لِوَقْتٍ يَظُنُّ أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ الْيَسَارُ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ غَايَةً لِلتَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَايَةً لَكَانَ الْمَعْنَى يُتْرَكُ لَهُ تَرْكًا مُسْتَمِرًّا لِظَنِّ يَسْرَتِهِ، أَيْ: إنَّ هَذَا الْفِعْلَ وَهُوَ تَرْكُ مَا يَقْتَاتُ بِهِ مُسْتَمِرٌّ لِظَنِّ يَسْرَتِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ فِي لَحْظَةٍ فَلَا اسْتِمْرَارَ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَسَدٌ عَلَيَّ) ، أَيْ: مُجْتَرِئٌ وَفِي الْحُرُوبِ نَعَامَةٌ، أَيْ: جَبَانٌ.
(قَوْلُهُ: وَكِسْوَتُهُمْ) قَمِيصٌ وَطَوِيلَةٌ فَوْقَهُ وَعِمَامَةٌ وَسِرْوَالٌ وَمَدَاسٌ وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةٌ لِخَوْفِ هَلَاكٍ، أَوْ أَذًى شَدِيدٍ وَتُزَادُ الْمَرْأَةُ مِقْنَعَةً وَإِزَارًا وَغَيْرَهُمَا مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِهَا (قَوْلُهُ: الدَّشْتُ مِنْ الثِّيَابِ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ شَرْحُ شب وَفِي الْمِصْبَاحِ، وَالدَّشْتُ مَا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ وَيَكْفِيهِ لِتَرَدُّدِهِ فِي حَوَائِجِهِ وَبَعْدَ هَذَا فَفِي الْعِبَارَةِ تَحْرِيفٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّشْتَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ لِلصَّحْرَاءِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَلَهُ إطْلَاقَانِ يُطْلَقُ عَلَى الصَّحْرَاءِ وَعَلَى مَا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ وَيَكْفِيهِ فِي تَرَدُّدِهِ لِحَوَائِجِهِ (قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ) ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ كَمَا فِي كَ وَعَجَّ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ وَهَذَا صَادِقٌ بِأَنْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ، أَوْ تَوَهَّمَ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ يَكُونُ كَاعْتِقَادِ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَا لَا تَعْطِفُ الْمَاضِيَ) وَلَوْ قَالَ لَا تَعْطِفُ الْجُمَلَ لَصَحَّ.
(قَوْلُهُ: الْحُكْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ) كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي حُبِسَ رَاجِعٌ لِلْمِدْيَانِ مُطْلَقًا وَإِذَا كَانَ رَاجِعًا لِلْمِدْيَانِ مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ (قَوْلُهُ: أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ أَمْ لَا) إنْ قُلْت: كَيْفَ يَكُونُ مَجْهُولَ الْحَالِ وَتُعْقَلُ إحَاطَةٌ وَعَدَمُهَا الصَّادِقُ بِالزَّائِدِ قُلْت: يُحْمَلُ الزَّائِدُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَالُهُ غَائِبًا يَتَعَسَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَجَهِلْنَا فِي أَمْوَالٍ حَاضِرَةٍ يُؤَدِّي مِنْهَا (قَوْلُهُ: تَوَصَّلَ بِهِ إلَى ذَلِكَ) ، أَيْ: إلَى تَبْيِينِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ إلَخْ)