قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ كَانَ مَا يَشْتَرِيهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَعَلَّلُوا الْمَنْعَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِرَاضٍ بِعُرُوضٍ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ رَجَعَ إلَى رَبِّهِ وَكَأَنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ عُرُوضًا، وَأَمَّا شِرَاؤُهُ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ لَا لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ (ص) أَوْ بِنَسِيئَةِ وَإِنْ أَذِنَ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَامِلَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِنَسِيئَةٍ إذَا أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ بَيْعَهُ بِالدَّيْنِ فِيهِ تَعْرِيضٌ لِإِتْلَافِ الْمَالِ وَهُوَ مِنْ حَقِّ رَبِّهِ فَإِذَا أَذِنَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا شِرَاؤُهُ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا فَالرِّبْحُ لَهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» فَكَيْفَ يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ رِبْحَ مَا يَضْمَنُهُ الْعَامِلُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ بِنَسِيئَةٍ أَيْ لِلْقِرَاضِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ شَارَكَ إنْ زَادَ مُؤَجَّلًا بِقِيمَتِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ بِنَسِيئَةٍ فَإِنْ وَقَعَ ضَمِنَ وَالرِّبْحُ لَهُ وَهَذَا حَيْثُ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ حِصَّةٌ مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ كَانَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ جَازَ إذْ تَخَلَّصَ حِينَئِذٍ مِنْ «نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» (ص) أَوْ بِأَكْثَرَ (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلَعًا لِلْقِرَاضِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ لِلنَّهْيِ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَضْمَنُ مَا زَادَ فِي ذِمَّتِهِ وَيَكُونُ فِي الْقِرَاضِ وَحِينَئِذٍ يُؤَدِّي إلَى مَا ذُكِرَ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بِالزَّائِدِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِنِسْبَةِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ.
(ص) وَلَا أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ الثَّانِي يَشْغَلُهُ عَنْ الْأَوَّلِ (ش) الضَّمِيرُ فِي أَخْذِهِ يَصِحُّ عَوْدُهُ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ عَلَى الْقِرَاضِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قِرَاضًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِ رَبِّ الْمَالِ، وَعَدَمُ الْجَوَازِ إنْ كَانَ الثَّانِي يَشْغَلُهُ عَنْ الْعَمَلِ فِي الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةَ الْعَامِلِ فَإِنْ لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ الْعَمَلِ فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قِرَاضًا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَمَفْهُومٌ مِنْ غَيْرِهِ جَوَازُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَشْغَلُهُ عَنْ الْأَوَّلِ (ص) وَلَا بَيْعُ رَبِّهِ سِلْعَةً بِلَا إذْنٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ بَيْعُ سِلْعَةٍ مِنْ سِلَعِ الْقِرَاضِ بِغَيْرِ إذْنِ الْعَامِلِ وَإِذَا مُنِعَ فِي سِلْعَةٍ فَأَحْرَى فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْعَامِلَ هُوَ الَّذِي يُحَرِّكُ الْمَالَ وَيُنَمِّيهِ وَلَهُ حَقٌّ فِيمَا يَرْجُوهُ مِنْ الرِّبْحِ فَإِذَا أَذِنَ الْعَامِلُ لِرَبِّ الْمَالِ فِي الْبَيْعِ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ.
(ص) وَجَبَرَ خَسْرَهُ وَمَا تَلِفَ وَإِنْ قَبْلَ عَمَلِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ (ش) يَعْنِي أَنَّ رِبْحَ الْمَالِ يَجْبُرُ خَسْرَهُ وَمَا تَلِفَ مِنْهُ وَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ التَّلَفُ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ قَبْلَ الْعَمَلِ فِيهِ مَا دَامَ الْمَالُ تَحْتَ يَدِ الْعَامِلِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَلَوْ قَالَ لِرَبِّ الْمَالِ لَا أَعْمَلُ حَتَّى تَجْعَلَ مَا بَقِيَ رَأْسَ الْمَالِ فَفَعَلَ وَأَسْقَطَ الْخَسَارَةَ أَوْ مَا تَلِفَ فَهُوَ أَبَدًا عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ وَالْغَايَةُ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا الْجَبْرُ بِالرِّبْحِ قَبْضُ رَبِّ الْمَالِ الْمَالَ حِسًّا بِأَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ وَأَعْطَاهُ لَهُ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ قِرَاضًا مُؤْتَنَفًا لَا يَجْبُرُ مَا تَلِفَ أَوْ خَسِرَ بِالرِّبْحِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَا أَخَذَهُ اللِّصُّ أَوْ الْعَشَّارُ يَجْبُرُهُ الرِّبْحُ وَلَوْ عُلِمَا وَقَدَرَ عَلَى الِانْتِصَافِ مِنْهُمَا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْجَبْرَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ، وَأَمَّا لَوْ ذَهَبَ جَمِيعُهُ ثُمَّ أَخْلَفَهُ فَإِنَّ الرِّبْحَ لَا يَجْبُرُهُ وَهَذَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ (ص) وَلَهُ الْخُلْفُ (ش) أَيْ فَإِنْ تَلِفَ جَمِيعُهُ أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَخْلُفَهُ وَلَهُ أَنْ لَا يَخْلُفَهُ وَإِنْ تَلِفَ جَمِيعُهُ لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِلَ قَبُولُ الْخُلْفِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (ص) فَإِنْ تَلِفَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَضْمَنُ مَا زَادَ فِي ذِمَّتِهِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِأَجَلٍ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ أَيْ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَكُونُ الْمُشْتَرَى كُلُّهُ لِلْقِرَاضِ وَيَغْرَمُ لِلْعَامِلِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ هَذَا حَاصِلُهُ ثُمَّ أَقُولُ إنَّ ذَلِكَ يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي حَلِّ قَوْلِهِ أَوْ شَارَكَ إلَخْ حَيْثُ قَالَ وَمَحَلُّ الْمُشَارَكَةِ إذَا اشْتَرَى السِّلْعَةَ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا لِلْقِرَاضِ فَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا مَعَهُ أَوْ يَدْفَعَ لَهُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ جَمِيعُ مَا اشْتَرَاهُ بِالْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ قِرَاضًا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا أَحَدُ شِقَّيْ التَّخْيِيرِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَدْفَعُ لَهُ قِيمَتَهُ إلَخْ ثُمَّ إنَّ مُحَشِّي تت ذَكَرَ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ بَيَانٌ لِمَا يَفْعَلُ إذَا اشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ سَوَاءٌ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْقِرَاضِ وَهُنَا بَيَانٌ لِحُكْمِ الشِّرَاءِ نَعَمْ يَخُصُّ مَا هُنَا مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ بِمَا إذَا اشْتَرَى لِلْقِرَاضِ.
(قَوْلُهُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ إذَا كَانَ الثَّانِي يَشْغَلُهُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَيْ وَإِذَا اشْتَغَلَ بِالثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ ضَمِنَ مَا حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ تَلَفٍ أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْعُ رَبِّهِ سِلْعَةً بِلَا إذْنٍ) زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْعَامِلِ رَدُّهُ وَإِجَازَتُهُ.
(قَوْلُهُ وَجَبْرُ خَسْرِهِ إلَخْ) الْخَسْرُ مَا نَشَأَ عَنْ تَحْرِيكٍ وَالتَّلَفُ مَا نَشَأَ عَنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ وَالْمُرَادُ تَلَفُ بَعْضِهِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدُ بِسَمَاوِيٍّ وَأَمَّا بِجِنَايَةٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ الَّذِي فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ وَأَمَّا الَّذِي فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَلَا يَتَأَتَّى جَبْرٌ فِيهِ (قَوْلُهُ فَفَعَلَ وَأَسْقَطَ الْخَسَارَةَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ مَا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَحَكَى بَهْرَامُ مُقَابِلَهُ عَنْ جَمْعٍ قَالَ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إعْمَالُ الشُّرُوطِ لِخَبَرِ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» مَا لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ كَذَا فِي شَرْحِ عب (قَوْلُهُ بِأَنْ قَبَضَهُ وَأَعْطَاهُ) أَيْ قَبْضًا صَحِيحًا عَلَى وَجْهِ الْبَرَاءَةِ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَوَاطُؤٍ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْقَبْضَ وَلَوْ كَانَ صُورَةً يَكُونُ كَافِيًا فِي قَطْعِ حُكْمِ الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ (أَقُولُ) وَالظَّاهِرُ الرُّجُوعُ لِإِطْلَاقِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا لَقَيَّدَهُ كَيْفَ وَهُوَ مَا بِهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ قَالَتْ وَإِذَا ضَاعَ بَعْضُ الْمَالِ بِيَدِ الْعَامِلِ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ خُسِرَ أَوْ أَخَذَهُ اللُّصُوصُ أَوْ الْعَاشِرُ ظُلْمًا لَمْ يَضْمَنْهُ الْعَامِلُ إلَّا أَنَّهُ إنْ عَمِلَ بِبَقِيَّةِ الْمَالِ جَبَرَ مَا رَبِحَ فِيهِ أَصْلَ الْمَالِ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ تَمَامِ رَأْسِ الْمَالِ الْأَوَّلِ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا انْتَهَى قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ فُجْلَةٍ
وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ أَخْذَ اللُّصُوصِ لَيْسَ مِنْ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْجِنَايَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute