للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الَّذِي يُفْسِدُ الْجُعْلَ إنَّمَا هُوَ النَّقْدُ بِالْفِعْلِ لَا شَرْطِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَبِعِبَارَةٍ وَلَا نَقْدٍ مُشْتَرَطٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ أَيْ: وَبِلَا نَقْدٍ مُشْتَرَطٍ وَلَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ وَالْعَاطِفُ الْوَاوُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ وَإِلَّا لَكَانَ التَّقْدِيرُ صِحَّةَ الْجُعْلِ بِلَا نَقْدٍ مُشْتَرَطٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَلِهَذَا جَعَلَهُ الْبِسَاطِيُّ سَهْوًا فَقَالَ وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ سَهْوٌ انْتَهَى وَأَجَابَ بَعْضٌ عَنْ الشَّارِحِ اُنْظُرْهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ.

(ص) فِي كُلِّ مَا جَازَ فِيهِ الْإِجَارَةُ بِلَا عَكْسٍ (ش) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ جَازَ فِيهِ الْجُعْلُ كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي الْمَوَاتِ جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَلَيْسَ كُلُّ مَا جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ يَجُوزُ فِيهِ الْجُعْلُ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَخِدْمَةِ شَهْرٍ وَبَيْعِ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ وَحَفْرِ الْآبَارِ فِي مِلْكِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْجُعْلُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى لِلْجَاعِلِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ إنْ لَمْ يُتِمَّ الْمَجْعُولُ لَهُ الْعَمَلَ فَالْإِجَارَةُ أَعَمُّ مِنْهُ وَالْجُعْلُ أَخَصُّ مِنْهَا فَكُلُّ مَوْضِعٍ جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْجُعْلُ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْأَعَمِّ وُجُودُ الْأَخَصِّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْحَيَوَانِيَّةِ وُجُودُ النَّاطِقِيَّةِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ جَازَ فِيهِ الْجُعْلُ تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ؛ إذْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْأَخَصِّ وُجُودُ الْأَعَمِّ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ النَّاطِقِيَّةِ وُجُودُ الْحَيَوَانِيَّةِ فَالضَّمِيرُ فِي جَازَ يَرْجِعُ لِلْجُعْلِ وَالْإِجَارَةُ مُبْتَدَأٌ وَكُلُّ مَا جَازَ فِيهِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ.

(ص) وَلَوْ فِي الْكَثِيرِ إلَّا كَبَيْعِ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بِالْجَمْعِ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْجُعْلَ يَجُوزُ عَلَى بَيْعِ أَوْ شِرَاءِ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ دَوَابَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ وَقَعَ عَلَى بَيْعِ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ أَوْ عَلَى شِرَائِهَا عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ جُعْلِهِ إلَّا إنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى الْجَمِيعَ فَلَا يَجُوزُ وَالْعُرْفُ كَالشَّرْطِ، وَأَمَّا لَوْ دَخَلَا عَلَى أَنَّهُ لَهُ بِحِسَابِ مَا بَاعَ أَوْ ابْتَاعَ لَجَازَ لَا يُقَالُ الْجَعَالَةُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا بِانْتِهَاءِ الْعَمَلِ فَالْعَقْدُ مُقْتَضٍ لِلشَّرْطِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَثْرَةُ السِّلَعِ بِمَثَابَةِ عُقَدٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ جُعْلَهُ فِي كُلِّ عُقْدَةٍ بِانْتِهَاءِ عَمَلِهِ فِيهَا وَحِينَئِذٍ فَالشَّرْطُ مَنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ فِي الْكَثِيرِ.

(ص) وَفِي شَرْطِ مَنْفَعَةِ الْجَاعِلِ قَوْلَانِ (ش) يَعْنِي هَلْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ لِلْجَاعِلِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ لَوْ جَاعَلَ شَخْصٌ شَخْصًا عَلَى أَنْ يَصْعَدَ لِهَذَا الْجَبَلِ وَيَنْزِلَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْجَاعِلِ مَنْفَعَةٌ بِإِتْيَانِ حَاجَةٍ مِنْهُ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا وَلَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ عَنْ الرَّجُلِ

ــ

[حاشية العدوي]

مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنْ قُدِّرَ بِزَمَنٍ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّرْكِ مَتَى شَاءَ وَإِنْ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَذَلِكَ بِقَرِينَةِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْفِرَارُ مِنْ إضَاعَةِ الْعَمَلِ بَاطِلًا فَالْعِلَّةُ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الشَّرْطِ الثَّانِي فِي كَلَامِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَلَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ) فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَطْفُ عَلَى مَدْخُولِ الْجَارِّ لَا تَكُونُ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ وَلَا تَكُونُ لِلتَّأْكِيدِ إلَّا إذَا كَانَ الْعَطْفُ عَلَى تَقْدِيرٍ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ إلَخْ) إنَّمَا قَالَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّأْوِيلُ بِأَنْ يُرَادَ بِمُشْتَرَطٍ اشْتِرَاطٌ وَفِي الْعِبَارَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَالتَّقْدِيرُ بِلَا اشْتِرَاطِ نَقْدٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَكَانَ التَّقْدِيرُ إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْدِ بِالْفِعْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَلَيْسَ مُرْتَبِطًا بِذَلِكَ بَلْ هَلْ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى بِتَقْدِيرِ زَمَنٍ وَالْمَعْنَى وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ الْعَطْفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ بَلْ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ الْمَجْرُورُ وَقَوْلُهُ سَهْوًا أَيْ: لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ بِلَا بَلْ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَدْخُولُ الْبَاءِ.

(قَوْلُهُ وَأَجَابَ بَعْضٌ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَرْفُ الْجَرِّ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ لِعَدَمِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِذَلِكَ قَالَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ وَإِنْ كَانَ حَرْفُ الْجَرِّ مُلَاحَظًا مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ.

(قَوْلُهُ جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْجُعْلُ أَخَصَّ مِنْ الْإِجَارَةِ فَيُطَابِقُ مَا فِي التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّ الْجُعْلَ أَخَصُّ، وَأَمَّا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَيُوهِمُ بِحَسْبِ ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاعِلٌ جَازَ أَنَّ الْإِجَارَةَ أَخَصُّ وَالْجُعْلَ أَعَمُّ وَمَعَ تَسْلِيمِ كَلَامِ التَّهْذِيبِ وَإِرْجَاعِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَهُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْجُعْلَ أَخَصُّ بِجَعْلِ الْإِجَارَةِ مُبْتَدَأً خِلَافَ التَّحْقِيقِ وَالتَّحْقِيقُ كَمَا قَالَ عج أَنَّ بَيْنَهُمَا الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ مِنْ وَجْهٍ يَجْتَمِعَانِ فِي مَسَائِلَ وَيَنْفَرِدُ الْجُعْلُ فِي مَسَائِلَ وَالْإِجَارَةُ بِمَسَائِلَ وَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْجَعَالَةُ فِي شَيْءٍ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ فَحَفْرُ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَنَحْوِهِمَا فِي أَرْضٍ مِلْكِك تَجُوزُ إجَارَةً لَا جَعَالَةً، وَأَمَّا مَا جُهِلَ مِنْ الْأَعْمَالِ كَالْإِتْيَانِ بِالْآبِقِ فَتَصِحُّ فِيهِ الْجَعَالَةُ لَا الْإِجَارَةُ وَيَجُوزَانِ فِي حَفْرِ بِئْرٍ مَوَاتًا فَإِنْ عُيِّنَ شَيْءٌ فِيهَا كَانَ إجَارَةً وَإِلَّا كَانَ جَعَالَةً وَبَقِيَتْ صُورَةٌ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ وَلَا جَعَالَةُ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ كَعَمَلِ الْخَمْرِ أَوْ مَا يَلْزَمُ فِعْلُهُ كَالصَّلَاةِ قَالَ مُحَشَّى تت وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ بِالْآبِقِ لِكَوْنِهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ بَلْ يَجُوزُ عَلَى أَنْ يَطْلُبَ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا أَوْ يَطْلُبَهُ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا وَلَهُ كَذَا انْتَهَى (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى شِرَائِهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْكَافَ أَدْخَلَتْ الشِّرَاءَ عَلَى الصَّوَابِ خِلَافًا لِلْعَوْفِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ دَخَلَا عَلَى إلَخْ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسَلَّمَ لَهُ جَمِيعُ الثِّيَابِ وَأَنْ يُشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ التَّرْكَ مَتَى شَاءَ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ أَنْ لَا يُدْفَعَ إلَيْهِ الثِّيَابُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَبِيعُهُ فَيَنْتَفِعُ رَبُّهَا بِحِفْظِ الْعَامِلِ لَهَا وَإِذَا سَكَتَ عَنْ شَرْطِ أَنْ لَا يَأْخُذَ شَيْئًا إلَّا بِالْجَمِيعِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا دَخَلَا عَلَى أَنَّ كُلَّمَا بَاعَ شَيْئًا أَخَذَ بِحِسَابِهِ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَفِي شَرْطِ إلَخْ) مَحَلُّهُمَا إذَا كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ وَاقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى اشْتِرَاطِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَأَمَّا قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ انْتِفَاءُ مَنْفَعَةِ الْجَاعِلِ أَمْ لَا قَوْلَانِ أَيْضًا انْتَهَى، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ بَابِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>